المشهد الأول
أواخر التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي مشاهد متكررة للحشود البشرية في صلاة الجمعة من كل اسبوع في الشوارع الرئيسية والفرعية القريبة من الحسينيات في مدينة الصدر (الثورة) سابقا ومناطق اخرى كالبياع والشعلة وغيرها … وحشود كبيرة ممن يلبسون الزي الزيتوني من رفاق الحزب المناضلين ومنتسبي الأجهزة الأمنية الخاصة والعامة ، تطوّق مجاميع المصلين تلك وتؤدي في بعض الأحيان نتيجة الأحتكاكات (المقصودة) الى مواجهات عنيفة وسقوط خسائر وضحايا .
المشهد الثاني
بعد (تحرير) العراق ومرور دورتين على حكومة المالكي نفس تلك المجاميع وربما أكبر عددا استنسخت تلك التجربة وملأت الكثير من الساحات والشوارع مع فرق بسيط هو ان التجمعات اصبحت في الجوامع وامامها ، بدل الحسينيات ، ولنفس السبب وهو اداء صلاة الجمعة … وأيضا القوات الأمنية المتعددة الأسماء تطوق تلك الحشود وتضايقها وقد أدت الأحتكاكات الى خسائر أيضا بالأبرياء المساكين … مع اختلاف آخر بسيط هو اختفاء الزي الزيتوني وأصبحت القوات بما يطلق عليها مرتدوا البسطال القماش الصحراوي .
بين ذلك المشهد وهذا … ما زالت قواتنا الأمنية (تستظرط) ابناء الشعب وكأنهم أتوا من كوكب آخر وليسوا أباء واخوان وأبناء لذلك الشعب الصابر المسكين … من جهة أخرى فاننا ان كنا نعطي المبرر للنظام السابق على خطواته القمعية تلك بسبب أنه نظام (دكتاتوري) تربى على تلك الممارسات … فلا يمكن لنا أن نقبلها من نظامنا الحالي الديموقراطي الدستوري الفيدرالي الأتحادي الأنفلاقي الكلّش حلو .
فرق بسيط أخير … في أيام النظام البائد لم يكن يجروء أحد على أن يمدح الدولة أو اجراءاتها التعسفية تلك … وقد شاهدنا أن أكثر المحاكمات في المحكمة الجنائية الخاصة لرموز النظام السابق قد انشغلت في هذا الموضوع … وحصل كثيرون على الأعدام نتيجة تلك الممارسات … الآن نجد أصوات نشاز قد تكون بطاطيّة أو شابندرية أو علاّقية تمجد تلك الأجراءات القمعية بل وتدعوا الى تشديدها والضرب من حديد على الأبرياء (العزّل) الذين يريدون الصلاة مجتمعا … وكأن الحكومة مقصّرة في هذا الموضوع ! … الكثيرون يعتقدون ان نظامنا الجديد قد أعادنا قرون الى الوراء مثل بول البعير أجلكم الله … لكن حقيقة ناصعة لا تقبل الجدل … ان أكثر قياديونا يروحون فدوة للبعير في قرائتهم للمشهد العراقي وما يتطلب من أجراءات سريعة لحفظ السلم المجتمعي واللحمة الوطنية .