الإنسان المغيب هو الشخص الذي تتعطل فيه الحواس الفكرية والإدراكية ويُبٓرمج عقله وتفكيره ووعيه وفق سياق محدد ومرسوم لخدمة أغراض وأهداف المبرمجين . والخطورة في تغييب الوعي والإدراك الطبيعي للشعوب عندما تُمارس البرمجة على الأشخاص منذ نشأتهم وإنفتاحهم على الحياة بحيث يبدأ تغييب وعي الفرد من قبل النظام الديني ومؤسساته المتشعبة وتأثيره على نظام الأسرة إبتداءً ومن ثم يأتي دور النظام التربوي والتعليمي في تعزيز هذه الحالة ومن ثم يأتي دور الدولة والسلطة الحاكمة من خلال مؤسساتها ومنظماتها لترسيخ كل ما من شأنه تعطيل الوعي والإدراك المنطقي للأمور . وبذلك يتحول الإنسان الى روبوت يتم التحكم به عن قرب أو بُعد . إن واقع العراقيين يعكس تماماً هذه الحالة حيث ببساطة يمكن مشاهدة مدى الغيبوبة التي يعيشها معظم أفراد المجتمع العراقي وذلك من خلال الممارسات والتصرفات غير المنطقية وغير الإنسانية والتي تتعارض شكلاً وموضوعاً بكل معاني التقدم والتحضر . بماذا نفسر قيام الأفراد بإستقطاع جزء من مواردهم التي عانوا الأمرين للحصول عليها بجهودهم وعملهم ومنحها بكل بساطة للآخرين سواء بصفة مراجع أو شخوص دينية وفق قواعد وهمية بمسميات الزكاة أو الخمس أو أي مسمى آخر بالرغم من إن عوائلهم بأمس الحاجة لتلك الموارد . أليس هذا نوع من أنواع التغييب للوعي والإدراك المنطقي وإستغفال للشخصية العراقية التي باتت تستقطع من إمكانياتها المحدودة جداً لإعطائها طواعياً الى غرباء لينعموا بتلك الموارد دون عناء أو جهد سوى إستغلال عقول هؤلاء البسطاء من الجهلة والمتخلفين ثقافةً وتعليماً وتحضراً . وبماذا نفسر مصطلح ” خط أحمر ” ومصطلح ” القدسية ” السائد والمتغلغل في نفوس ووعي الناس بالشكل الذي يحرم المساس ببعض الشخوص أو الرموز أو الجهات بإعتبارهم “خطوط حمراء” و “ومقدسين” لا يجوز مطلقاً المساس بهم ولا حتى توجيه إنتقاد أو ملاحظة أو سؤال منطقي قد يحرجهم . فالمرجعيات الدينية والمؤسسات الدينية والعتبات “خط أحمر” و “مقدس” ورجال الدين ( داخلياً وخارجياً ) “خط أحمر” و “مقدس” بل وكل معمم ( مهما كان ) فهو “خط أحمر” و “مقدس” ، وقيادات الحشد والمليشيات المسلحة ورموز الأحزاب الإسلامية “خط أحمر” و “مقدس” أيضاً ، ويضاف الى كل ذلك شمول أراضي ومناطق ومراكز ومدن بالخط الأحمر والمقدس ، وتستكمل القائمة بشمول أسماء وشخوص تاريخية كثيرة جداً ومتنوعة حيكت لها من القصص والمواقف والبُدع الخيالية وجعلتهم بدرجة الخالق وهم من يمنحون الإذن لدخول الجنة لمن يتبعهم ويبايعهم وشُيدت لهم الأضرحة والمزارات وما شابه وهؤلاء جميعاً “خطوط حمراء” و “مقدسين” لا يُسمح بأي سؤال منطقي وعقلي وعلمي عنهم .
كانت النتيجة من كل ذلك خلق مجتمع غالبية أفراده مؤمن تماماً بهذين المصطلحين ” خط أحمر ” و ” مقدس ” بحيث تم إختصار ثقافة ووعي وإدراك المجتمع بهذين المصطلحين . فلا يجوز إنتقاد الحشد الشعبي ووصفه بمليشيا مسلحة لأنه “خط أحمر” و ” ومقدس” ولأنه جاء بفتوى مرجعية دينية هي الأخرى “خط أحمر” و “مقدسة” . ولا يسمح بالسؤال عن الموارد المالية التي تحصل عليها المرجعيات الدينية وكيفية آلتصرف بتلك الأموال ومدى خضوعها لقوانين الدولة المحاسبية والرقابية والضريبية لأنها “خط أحمر” و “مقدسة” . ولا يمكن المساس بمقام البعض أمثال مقتدى أوالحكيم أو هادي أو المهندس أو المالكي أو الخزعلي أو الكعبي أو هميم أو خامنئي أو روحاني أو الأسدي أو الموسوي أو الجبيري أو الحمداني أو الولائي أو المحمداوي أو السويدعي أو المسعودي أو الشهماني أو أو أو والقائمة تطول فهم جميعاً ” خط أحمر” و ” مقدس” . والسؤال هنا كيف يستطيع الشعب محاسبة القيادات المسؤولة عن إدارة شئون البلد في حالة فشلهم وهم “خطوط حمراء” و “مقدسون”. ومع الأسف فإن الجيل الحالي والقادم تم إرضاعهم وبرمجتهم وإختصار وعيهم وإدراكهم بهذين المصطلحين وسوف يستمر الحال وتغييب المجتمع لعقود قادمة ما لم تحصل معجزة لإنقاذ هذا المجتمع من غيبوبته .