18 ديسمبر، 2024 9:09 م

العراقيون في تركيا يبيعون الوطن

العراقيون في تركيا يبيعون الوطن

كانت مصادفة أن أتواجد في مدينة سامسون التركية التي تبعد عن العاصمة أنقرة تقريبا ( 400 ) كليو مترا في الأيام التي كانت مخصصة لأجراء أنتخابات الخارج في العاشر من شهر أيار الحالي ، لقضاء فترة نقاهة في مدينة تعتبر من أجمل المدن السياحية التركية ، وقد قررت أن أشارك في الأنتخابات خوفا من أن يسرق صوتي لصالح جهة متهمة بالفساد !! ، وبعد وصولي الى أحد المراكز الأنتخابية والقريبة من منطقة سكني والذي يحمل الرقم ( 878714 ) في منطقة ( تركش ) وسط مدينة سامسون كانت المفاجئة بتواجد اعدادا كبيرة جدا من المواطنين العراقيين الذين يرغبون في التصويت الانتخابي مما أثار الأستغراب لحالة التدافع الشديد على باب الدخول والرغبة الشديدة في المشاركة والوقوف في طوابير طويلة وتكاد تصل فترة الانتظار الى اكثر من ساعة ، حيث يشهد هذا المركز اصرارا من قبل الجميع على المشاركة دون كلل او ملل وهذا دليل على وعي العراقيين في اختيار ممثليهم بالشكل الصحيح ، ولكن !!! والملفت للنظر وللأسف الشديد كانت هناك حالات قد تبدو غريبة ومشبوهه بعض الشيء وهي تواجد بعض التجمعات الصغيرة والكبيرة لبعض الشباب المغرر بهم والمنتشرة حول المركز الانتخابي ، وان كل مجموعة تضم عدد من المواطنين العراقيين من مختلف الاعمار واغلبهم من الشباب والنساء ويقودهم شخصا يحمل سجلا كبيرا ويدون فيه اسم كل من يرغب في أنتخاب الشخصية البرلمانية الجديدة والمثبت أسمه وصورته ورقم تسلسله وقائمته في الكارت الشخصي الصغير مقابل مبلغا من المال وهو مبلغ بخس جدا لم يتجاوز ( 100 ) ليرة تركية والتي تعادل ( 30 ) الف عراقي فقط ، بشرط ان يقوم الناخب بتصوير عملية الانتخاب في الموبايل الخاص به والذي يثبت فيه اختياره لهذه الشخصية دون سواها ، وبعد انتهاء عملية التصويت وعرض الفلم على هذا الشخص المسؤول يتم تسليم المبلغ نقدا وامام انظار الجميع دون حياء او خجل .

وحينما وقفت في الطابور الطويل كان بقربي شابا لم يتجاوز العشرين عاما ويحمل كارتا فيه اسم المرشح ، فداهمني الفضول وسألته لماذا تحمل هذا الكارت ، فقال من اجل ان احفظ اسم المرشح حتى انتخبه ، فقلت له هل تعرفه ؟ قال لا ، وحينما سأله لماذا ترشح شخصا وانت لا تعرف عنه شيئا لا ماضي ولا حاضرهذا الشخص ، وكيف سيكون امينا على مقدرات الشعب ويكون مدافعا عن حقوقهم وهو يحاول سرقة اصواتكم في بداية الامر ، قال سيدفعون لي ( 100 ) ليرة تركية ، وقلت له هل من المعقول ان تبيع الوطن بهذا المبلغ التافه ، اجابني بالحرف الواحد ( عمي يا وطن ) ، بهذه العبارة اجابني ولا يعرف خطورة الموقف ، وللاسف الشديد وجود هكذا نماذج سيئة من ابناء البلد في بلاد الغربة والذين لا يعرفون حجم الوطن وحبه السرمدي لدى العراقيين الشرفاء .

من جانب اخر كانت هناك أمرآة عراقية كبيرة وقد تجاوزت السبعين عاما من العمر ، وقد عملت على الخطوات والمسار الذي اتخذه هذا الشاب النموذج ، وبعد عرض الفلم على الشخص المسؤول ، استلمت ( الحجية ) المبلغ امام انظار الجميع وايضا امام المراقبين والمتابعين والمسؤولين في المفوضية العامة للانتخابات في هذا المركز دون اي رادع … وبعد تجوالي حول هذه التجمعات والنظر الى السجلات التي يحملها هؤلاء الاشخاص ، تبين ان عدد المغرر بهم وصل الى اكثر من ( 500 ) أسم لكل مجموعة ، وقد استمرت هذه الحالة حتى نهاية الوقت المقرر ، ولكن يبدو ان المبلغ الذي تم تخصيصه قد ارتفع ليصل الى ( 50 ) دولارا مع نهاية عملية الانتخاب وكأنك تشترك في ( بورصة ) وتنتظر الفرصة للحصول على اعلى المبالغ ، حيث ان اغلب اسماء المرشحين الذين تم انتخابهم في شراء هذه الاصوات كانت من محافظات صلاح الدين ونينوى وديالى وكركوك والانبار .

وبعد هذا المشهد الحزين والمؤلم والمؤثر الذي هز مشاعر الكثير من العراقيين المتواجدين ، نقول الى هؤلاء الشباب الذين باعوا الوطن دون وعي أو أدراك أو مسؤولية ، أن تراب العراق الطاهر أغلى وأثمن من هذه المبالغ التافهة التي تم استلامها من هؤلاء السراق الذين يضحكون على عقولكم في أرتكابكم هذه الجرائم الكبرى بحق الوطن المعطاء ، وكان الأجدر بكم ان تحافظوا على سمعة البلد والدفاع عنه بقوة واصرار وعزيمة ، ولا تمنحوا الفرصة للعابثين والسراق والخونة من ممارسة هذه الافعال السيئة لأنكم ابناء هذا الوطن ومستقبله المشرق ، اما هؤلاء السراق الذين طرحوا اسمائهم كمرشحين ليكونوا ممثلين للشعب العراقي فأن جريمتهم كبيرة في حجمها ومعانيها ، فكيف سيحافظوا على ممتلكات ومقدرات الشعب العراقي وهم يبعون ضمائرهم وشرفهم في بداية طريقهم ومشوارهم الطويل للحصول على عدد من اصوات الناخبين في عملية سطو وسرقة في وضح النهار وامام انظار الجميع ، وكيف ستكون ثقة الشعب بهم ، ولهذا يتطلب اتخاذ قرارا سريعا بالغاء تصويت الخارج كون الاصوات التي حصل عليها اغلب المرشحين جاءت عن طريق السرقة والضحك على عقول الناس وابتزازهم بصورة علنية .