19 ديسمبر، 2024 12:59 ص

العراقيون… شعب الله…المدلل!

العراقيون… شعب الله…المدلل!

من الملاحظ جدا هذه الأيام كثرة “سخط” الكثير من العراقيين على “الله”، محملين إياه مسؤولية التدهور الأمني والعملية السياسية في العراق.
فهم يريدونه، الله، أن “يأتي” إلى العراق لإحقاق الحق وإبطال الباطل والانتصار للأبرياء والمظلومين. يريدونه أن “يأتي” بجيش عرمرم من الملائكة المسومين حاملين أسلحتهم للدخول إلى بغداد لتطهيرها من عصابات الفساد والمحاصة والطائفية. يريدون من الله أن يزرع ملائكته في كل شارع و”دربونه” وبناية حكومية و مجمع سكني وسوق ومقهى وملهى وجامع وبار لمراقبة الإرهابيين الذين يزهقون أرواح الأبرياء بمتفجراتهم وكواتم الصوت. يريدون من الله إن “يتقاتل” مع كل مسئول أو موظف عراقي للقيام بواجباته. يريدون الله أن يكتب تقارير لحظة بلحظة لإرسالها عن طريق الانترنيت للصحف والمواقع الالكترونية لتعرية المفسدين والمرتشين والذين يقفون حجر عثرة في طريق بناء وطن يتحقق فيه الحد الأدنى من الكرامة. يريدون الله أن يجلس “بوابا” أمام مكتب كل وزير عراقي لتفتيش الداخل والخارج لضمان سلامة الوزير وسلامة الوطن. يريدون الله أن يحضر  شخصيا جميع جلسات البرلمان ليتأكد من أن “نواب الشعب” يقومون بالمهام المنوطة بهم بدلا من مناقشة مستحقاتهم. يريدونه أن ينظف الشوارع من الأزبال ويزينها بالأشجار ويتفقد أحوال المجاري وينظم قوائم الحصة التموينية وتوفير الكهرباء وإقناع الكويت بعدم بناء ميناء هو بمثابة الاستفزاز والطلب من إيران احترام مبدأ حسن الجوار.
وهم يريدون من الله أن يقود شخصيا المظاهرات ويرابط في ساحة التحرير حتى تستجيب الحكومة لمطالب الشعب. بل أكثر من ذلك،  وحتى يكون الله عادلا ومقبولا، عليه أن يتحصل أولا على شهادة حسن سلوك من “هيئة المساءلة والعدالة” تثبت عدم انتسابه لحزب البعث العربي الاشتراكي ولم يكن عضو فرقة أو شعبة في حزب البعث ولم تكن له أي مشاركة في قصف حلبجة والأنفال ومطاردة أعضاء حزب الدعوة. وشهادة حسن السلوك هذه يجب أن تكون مصدقة من جميع رؤساء الكتل السياسية الحاكمة في العراق. وحذار حذار ان يتفوه الله بأي شيء يشم منه رائحة عداء للعملية السياسية أو مس ثوابت التغيير بسوء، وإلا فمعنى ذلك انه أحد “الأيتام…”.
يريد العراقيون كل هذه الخدمات من الله وغيرها الكثير الكثير.
لم لا؟ فهم شعب الله …المدلل!
ألم يختر وطنهم ليجعله منبت الأنبياء والصالحين ومهد الحضارة البشرية؟
وينسى الكثير من العراقيين أن الشعب التونسي لم يحمل الله كل هذه الأعباء والمهام! ولم يطلبوا منه أن يقاتل بدلا عنهم.
حين بلغت بهم المهانة والذل والهوان إلى الحدود التي لم يستطيعوا معها صبرا قرروا أن “يغيروا ما بأنفسهم”.
قاد التونسيون ثورة عظيمة برسالتها ألقت بظلالها على كل العالم، وفتحت الباب على مصراعيه لقبول حقيقة أن الإنسان يستطيع أن يصنع قدره بنفسه! بدأ الناس في كل المعمورة يدركون حقيقة أن الإنسان يمكن أن يغير ما حوله دون اللجوء إلى الاستخدام المفرط للقوة والحروب وأسلحة الدمار الشامل ونهب المتاحف وإحراق المكتبات وإزهاق أرواح الملايين من البشر.
تمكن التونسيون من جعل أحد أشد عتاة الدكتاتورية يفر هاربا بليل.
صنع التونسيون قدرهم بأنفسهم، وحققوا مقولة شاعرهم:
إذا الشعب يوما أراد الحياة     فلا بد أن يستجيب القدر

ونحن نعتقد بما لا يقبل الشك أن العراقيين هم من أشد شعوب العالم تعلقا بالحياة، والدليل ان تاريخهم لم يتوقف منذ آلاف السنين.
لكن، ما لا يقبل الشك أيضا، أن الله لا يقاتل نيابة عن أحد.
وهو لم “يوح” لجورج دبليو بوش أن يبعث جيوشه  الجرارة “لتحرير” العراق من نظام صدام حسين الدكتاتوري وتخليص العالم من أسلحة الدمار الشامل. وهو قطعا لم “يرسل” أحمد الجلبي ل”تحرير” العراقيين من حزب البعث.

لله مبدأ ثابت: “لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.”
وهذا معناه أن “فعل” الله يأتي ك”رد فعل”. أي أن الله نفسه ينتظر من العراقيين ان يبادروا الى التغيير حتى يساعدهم ويدعمهم، وليس العكس.
فعلى العراقيين أن يثقوا بأنفسهم وبعدالة قضاياهم. عليهم أن يثبتوا لله أن لديهم القدرة على التغيير من خلال الفعل.
عليهم أن يخرجوا ل”ساحة التحرير” بمفردهم للتظاهر والاحتجاج. يمكنهم أن يصطحبوا الله معهم في المظاهرات، ان شاءوا، شريطة أن لا يتوقعوا منه أن ينوب عنهم في التعبير عن مظالمهم، أو استخراج شهادة حسن سيرة وسلوك من مختارية “المنطقة الخضراء”!