تحليل سيكولوجي
تابعت مساء الأحد 23 نيسان الجاري مبارة الريــال وبرشلونة الممتعة والمثيرة التي انتهت بفوز برشلونة (3-2) بهدف أحرزه الموهوب ميسي في الدقيقة الأخيرة.وبلحظة انتهائها أنارت الطلقات النارية سماء مدن عراقية وليس اسبانية. وباللحظة ذاتها استطلعت آراء جمهور “الفيسبوك” بهذا التساؤل:
( الساعة 12 إلا ثلثاً اشتغلت الطلقات..شكو..برشلونه فــاز..ويستاهلون..ولكن بماذا تفسرون هذا الهوس؟)
اليكم نماذج من الإجابات:
• حين يعيش الشعب هموماً قاتلة من عقود فإنه يفتش عن الفرح حتى خارج بلاده.
• هروب من واقع “طايح طايح حظّه”
• قمة التخلف طبعاً في حين ان مشجعي الفريقين من الاسبان ليس لديهم مثل هذا التخلف!
• عندما نفقد النموذج او القدوة..نخترع واحداً.
• التعبير عن الفرح باطلاق النار تستخدمها الشعوب الهمجيَّة.
• شعور بالفراغ لإشباع ذات فارغة وهوس ساذج!
• تعبير عن نقص الشجاعة في المواقف الصعبة.شعب يعبّر عن فرحه بالسلاح وسبق ان مارسها رئيسهم وهو يحمل المسدس..قلة عقل وسوء تصرف وخلل في منظومة المعتقدات وهشاشتها الفكرية.
• تفريغ شحنات حالة تعويضية للشعور بعقدة النقص.
• خواء وفقدان الأمل الذي يعيشه العراقيون ولأنهم خسروا كل شيء فلم يعد لهم إلا الاهتمام بأمور ثانوية.
التحليل:
تنفرد كرة القدم بسيكولوجيا خاصة تعزف على أوتار الطبيعة البشرية وما ورثته من تاريخها الذي يعود لمرحلة الصيد قبل ملايين السنين،لما بينهما من شبه كبير. فالصياد يجري وراء الطريدة،ينفعل،ويصوّب ،ويسدد..وان صادها جرى له احتفال واستقبل استقبالَ المنتصر. وهذه الآلية السيكولوجية ذاتها تعمل في لاعب كرة القدم والجمهور،مع ان اللعبة تبدو لآخرين سخيفة.. اذ كل ما فيها ان (22) شخصا يتقاذفون كرة بأرجلهم ورؤوسهم..بطريقة تحرّك جهازنا الانفعالي وتثير ولعاً وشغفاً وهوساً..بل عنفاً وعدواناً يؤدي الى القتل احياناً بين المشجعين. زد على ذلك، ان كرة القدم تجسّد ثلاث حاجات متأصلة في الطبيعة البشرية هي:حاجة الانسان الى (التغلّب) وقهر الخصم، ونزعته الى الصراع مع الآخرين، وحاجته الى التماهي بـ(المنتصر)..أي الشعور بالزهو وتوكيد الذات.إن الحالة النفسية الصحية هي الاستمتاع بمشاهدة اللعبة والاعجاب بمهارة وذكاء هذا اللاعب او ذاك،وتفرح للفريق الذي يلعب بروح الفريق،وتعجب للفريق الذي يكون مهزوماً بثلاثة اهداف ويفوز بخمسة، لتتعلم منه قدرة الانسان على تجاوز الفشل..فاذا ما تعدتها من الاعجاب الى التماهي فانها تعني شيئا آخر في الصحة النفسية.
قد نذهب بعيداً في هذا التحليل اذا قلنا ان المشاهد الذي (يتماهى ،يتوحد) بشخصية لاعب مميز (ميسي مثلا )..وانه يفرح لفرحه ،ويغضب اذا اصابه أذى او خسر فريقه.. وينفعل(وقد يسحب انفاساً متلاحقة من النرجيلة،وكؤوساً بيضاء او حمراء،ويقضي ليلته كدراً ،ويجوز يتعارك مع زوجته..)..يمكن ان يكون تصرفه هذا مؤشراً عن شيء ينقصه(قل عنه الشعور بالنقص) بغض النظر عن نوعه ما اذا كان نفسيا،عاطفيا،اجتماعيا،او عضويا.
وكما اصاب كثير من الذين استطلعنا آراءهم، فان هوس العراقيين باطلاق العيارات النارية بفوز فريق برشلونه ناجم عن ان توالي الخيبات عليهم دفعت حاجتهم الى الفرح الى ان تلتقط اية مناسبة او حدث لتشبع ضمئها،وتربطها لا شعورياً بمناسبات فرح سابقة مستقرة في الذاكرة لتستعيد فيها الأجواء ذاتها..حتى لو كانت تلك الحادثة في اسبانيا!
وليت الأمر كان عند هذا الحد،فلقد حدث في مباريات سابقة بين الريال وبرشلونة حالات قتل..وهذه ناجمة سيكولوجيا عن ان الحروب الكارثية التي عشناها من 37 سنة أطاحت بقدسية الحياة وجعلت العراقي يستسهل قتل الآخر.
تواصل سيكولوجي
في عام ( 2010 ) كان العراقيون يتابعون مباريات كأس العالم بمزاج خاص..وكنّا كتبنا في حينه انهم صحيح يشاركون ملايين العالم في شغفهم بكرة القدم لكنهم الوحيدون الذين يقبلون عليها وهم كدرون..(لتوالي الخيبات على العراقيين وتكرر الاحباطات التي تولّد لدى الجماهير المحرومة حاجة البحث عما يشفي غليلهم ،وتمني مجيء ” البطل المخلّص”..فضلا عن ان مشاهدة مباريات كأس العالم تفعل في المضنوك ما يفعله المخدّر في المحبط الهارب اليه من واقع خشن..فكيف بالمواطن العراقي اذا كان رئيس جمهوريته ورئيس وزرائه يتقاضيان 150 مليون دينار شهريا فيما هو يكدح ” والعشا خبّــاز”..وفي طرق ملغومة بالموت.ويا ليت الحال بقي على ما كان عليه قبل اربع سنوات.. فالعراقيون يشاهدون الآن المباريات وهم مفجوعون بوطنهم..يستمتعون بها وايديهم على قلوبهم من لعبة السياسة التي تجري على ساحة الوطن..بين فرقاء افتقدوا قواعد اللعبة..ولعبوا من اجل كل شيء الا الفوز بـ(كأس الوطن). والعراقيون هم الوحيدون في العالم الذين ابتلوا بسياسيين لا يُعدّون ولا يحصون..ولكن ليس بينهم رجل دولة واحد..كان بامكانه في هذه السنوات الأربع عشرة الجحيم ان يشيع البهجة بين شعب جبل على حب كل ما هو جميل..ممتع..وحرموه حتى من متعة فرح مباح يستمتع به كل البشر..فاستحقوا منهم اللعنة الى يوم يبعثون!
نقلا عن المدى