التسامح سمة إنسانية؛ كلمة كبيرة؛ فعل عظيم؛ وهي موجودة قولاً وفعلاً في تاريخ المسلمين والعرب، لكنها ليست حاضرة في الوقت الحالي، فمبدأ التغالب وطلب الثارات، لا ينتصر عليه مبدأ أخر عند أغلبية الناس.
العنف وطلب الثأر والتنكيل بالمقابل، صفات جاهلية استخدمها العرب، يوم لا وطن لهم غير الصحراء الواسعة، للأسف يستخدمها أغلب السياسيين اليوم، فالسياسة لديهم حقد دون تسامح، وآخذ دون عطاء، وممارسة النهب والسلب واللؤم دون كرم، والغش الخداع دون الوضوح.
الطائفية لازالت في أعلى مستوياتها، والعروض لازالت تتهافت عليها، أما التسامح ففي ادني مستويات عروضه، حسب نظرية السوق.
كل سياسي متسامح، يؤمن بالوسطية والاعتدال، “الذي أوصانا به ديينا الحنيف”، ويعطي مساحة لغيره، ويؤمن بقبول الآخر فهو “منبطح”، وكل من يقف بوجه “ممارسة طائفية” قولا أو فعلا، تضر الشعب، وتنخر بجسد الوطن والطائفة معا، فهو “خائن”.
في جنوب أفريقيا؛ كانت هناك مجازر مهولة، ارتكبها “البيض” أو نظام بريتوريا العنصري بحق “السود” السكان الأصليين، لكن الوئام عم والسلام حل، حينما انبثقت نظرية التسامح هناك، من قبل نيلسون مانديلا.
أمينة بهرامي شابة إيرانية في مقتبل العمر، حصل لها حادث غير حياتها إلى الأبد، لكنه لم يغير من إنسانيتها، فعندما كانت أمينة تغادر مكان عملها، فاجأها شاب كان قد تقدم بطلب الزواج منها عدة مرات؛ ورفضته، كان يحمل علبة حمراء في يده، تقول “نظر في عيني ثم رشق وجهي بالحامض، كنت جميلة، هذا كان ذنبي” هذا ما روته أمينة.
تجمع الناس عليها، ولم يهرب مهاجمها، مجيد موحدي، الذي يصغرها بخمسة أعوام، وكان زميلا لها في الجامعة، أُلقي القبض على المهاجم، وحكم على الجاني بالإعدام، لكن بهرامي طالبت، بأن تنزل به عقوبة مشابهة لما اقترفه بحقها، “اقتلاع عينيه”.
في اللحظة الأخيرة قبل تنفيذ الحكم، تراجعت بهرامي عن حقها، رغم أن مهاجمها لم يعبر عن ندمه، وبقي يوجه لها الشتائم حتى اللحظة الأخيرة، وهو الآن طليق.
هذه القصة التي روتها صحيفة الغارديان اللندنية، في عددها ليوم الاثنين الماضي، بحاجة الى أن نعيدها مرات ومرات على شعبنا، وسياسيينا المنتفعين من الحقد الأعمى، والمتسلحين بسلاح الطائفية الأهوج.
لا ننكر أن لدينا قامات سياسية عالية وكبيرة، ولها الكعب المعلى في الوسطية والاعتدال والتسامح، وقد عانت لفترات طويلة من التهميش والتطاول على مقامها، لكنها تسامحت؛ ليسَ ضعفاً منها، ولا لعدم امتلاكها أدوات الانتقام، لكن مشروع الكبار يختلف عن مشاريع الأقزام، فبناء الوطن والدولة يتطلب قبول الآخر والتسامح أولا.
كل منا بحاجة إلى قلب كبير، مثل قلب أمينة بهرامي، وقلوب القامات الشامخة المتسامحة الكبيرة، التي تحمل هم الوطن أولا، لنتساوى معهم بالإنسانية، على أقل تقدير…!