18 ديسمبر، 2024 8:07 م

العراق,أياما فاصلة بين الأنتحار وبين إرادة الحياة

العراق,أياما فاصلة بين الأنتحار وبين إرادة الحياة

هنالك دول تذهب لمعاقبة أو لحصار أو أعلان الحرب على دول أخرى تبعد عنها آلاف الكيلومترات بمجرد تعرض أحد مواطنيها للخطر أو بسبب تهديد مصالحها الأقتصادية والستراتيجية كما حدث حين تأميم قناة السويس, أو بسبب محاولة دولة ما أمتلاك قدرات عسكرية للدفاع عن نفسها,أي أن هذه الدول تعتبر أن أمنها القومي يمتد بعيدا خارج حدودها بقدر أمتداد قدرة أساطيلها وصواريخها وطائراتها أظافة لمستوى تأثير هيمنتها وقوتها الأقتصادية,أما اذا ما تعرضت لخطر داخلي فالرد هوعادة الأعنف وغالبا ما يكون أهوج وأعمى يراد به أظهار جبروت الدولة وسطوتها أمام مواطنيها وعالميا وهذا ما حدث بعد الحادي عشر من سبتمبر والأنتقام البشع الذي مارسته الولايات المتحدة مما أدى لتدمير آفغانستان والعراق دون مبرر حقيقي أو أي حق شرعي.عند الدول الصغيرة والمحدودة القدرة كالعراق الأمن القومي سيرتكز أولا على حماية حدودها وحماية مواطنيها وبالدرجة الثانية على العمق الستراتيجي الأقليمي الذي له علاقات منفعية وستراتيجية متبادلة فإن عجزت الدولة عن تأمين الركيزة الأولى أي حماية حدودها ومواطنيها أصبحت دولة بالأسم فقط تتلاعب بها إرادات الدول المجاورة أو تلك البعيدة القوية.من المعروف بأن الدول كالكائنات الحية لايمكنها الحياة الكريمة بشكل مستقل دون وجود منظومة دفاعية تؤمنها ضد الأخطار الداخلية والخارجية كما هو موجود في نظام المناعة في الدم ضد الميكروبات التي تدخل الجسم أو بوجود وسائل دفاع خارجية جسدية كالأيدي أو آلية كالسلاح لدفع الأعتداء الذي قد يؤدي الى جروح وأذى بليغ قد يصل لدرجة الأعاقة ببتر أوشلل جزء من الجسم أو حتى فنائه.العراق اليوم ورغم كل المصائب التي مرت به وأدت لأضعافه لأكثر من عقدين من الزمن مشحونة بالحروب والأحتلالات والأنتكاسات والنزاعات المذهبية الطائفية والفساد الأداري والمجتمعي فلقد أستعاد تدريجيا جزءا كبيرا من قوته فتمكن بفضل جهود أبنائه أن يحارب الأرهاب ويقضي عليه فهو الآن يمتلك جيشا لا بأس به وبصنوف متعددة وبعدة حديثة ويمتاز بخبرات قتالية وأيضا رديفا قويا من الحشد الشعبي أثبت جدارته وفعاليته , اضف لذلك هو يتمتع بعمق ستراتيجي أقليمي متضامن يتمثل بأيران وتركيا ونوعا ما سوريا وكذلك أتفاقيات عسكرية وأمنية مع عدد من الدول الأجنبية في حربه ضد الأرهاب, وهو على هذا الأساس يمكن أعتباره قادر على حماية مواطنيه وصد أي عدوان خارجي أو أي خطر داخلي.بالمقابل الصورة كانت معكوسة في أقليم شمال العراق خلال سنوات ضعف السطة المركزية في بغداد في بداية التسعينات من القرن الماضي بعد حرب الكويت مما أدى لترك مقدرات إدارة أقليم شمال العراق لزعامات تضمر العداء أصلا للحكومة المركزية فسمح ذلك بنشوء سلطة محلية برأسين بدأت تعمل على إبعاد الأقليم وشعوبه عن المركز من كل النواحي بما فيها الثقافية,حتى وصل بهم الأمر فيما بعد ان تعاونوا ونسقوا مع القوى التي ساهمت بإحتلال العراق وعلى رأسها الولايات المتحدة في سنة ألفين وثلاثة,وواصلوا تعاونهم مع الأحتلال الى لحظة خروجه رسميا سنة ألفين وأحدى عشر ولكن قواعده الأخرى أستمرت بتواجدها على أقليمهم .لقد ساعدهم الأحتلال مكافأة لدورهم بمساندته بالوقوف لجانبهم كل الوقت وحمايتهم وتسليح جيشهم مما شجعهم بأبتزاز الحكومة الأتحادية ماليا وسياسيا ومنعها من تسليح جيشها بحجة أنهم سيكونون خطرا عليهم.خلال كل هذه الفترة وحتى سنة ألفين وأربعة عشر كان نجم الأقليم في صعود مستمر ويتصرف كدولة داخل دولة,وخصوصا أن الكثير من المناصب المهمة كانت بيدهم بسبب نظام المحاصصة كرآسة الجمهورية والخارجية ورآسة أركان الجيش..الخ فبالتالي وعمليا جزءا كبيرا من أقليم الشمال أصبح لايخضع للسطة الفدرالية وشبه دولة,ولما جاء صيف سنة ألفين وأربعة عشر وجاء معه دخول وأنتشار أرهاب الدولة الأسلامية وتمددها السريع أستغلت سلطة الأقليم الحدث لتتوسع هي الأخرى وتسيطر على مساحات واسعة ,أهمها كركوك, وأسلحة ومعدات تابعة للجيش العراقي المنسحب ,وهكذا أصبح العراق الرسمي لايسيطر سوى على نصف مساحته تقريبا,وهكذا أيضا أصبح لدى زعامات أقليم شمال العراق قناعة كاملة بأن الدولة آيلة للتفتت لثلاثة أقاليم وربما أكثر بعد تزايد التذمر لدى السنة والتذمر الشيعي والمدني من أداء الحكومة فبدأت أصواتهم وتهديداتهم بالأنفصال تسمع أكثر فأكثر وأبتزازهم للسلطة الأتحادية يزداد,ولكن لم يدر بذهنهم أن تمدد الخطرالأرهابي ومذابحه ووصوله لأبواب بغداد سيقلب الآية تماما بردة فعل قوية أدت لظهور الحشد الشعبي على مسرح الأحداث والذي سارع بصد الهجمة وتحويل الهزيمة الى نصر الذي تجلى بطرد التنظيم من غالبية المدن ولم يتبقى سوى مناطق محدودة في حساب المأخوذة.هنا فقط أنتبه البرزاني وأنصاره بأن الوقت لم يعد بجانبه وأنه حقق ما يكفي من الغنائم وقد حانت اللحظة بل أصبحت ملحة لأعلان أستفتائهم قبل أن تتمكن السلطة الأتحادية من الوصول لمستوى متقدم أعلى من القدرة والثقة بالنفس تطالبه بالمستحقات.ان التوجه نحو الأنفصال وظهور أسرائيل كحليف أول علنا وصراحة بعلمها مرفوعا في أحتفالات الأستفتاء والتصريحات الأستفزازية كل ذلك أثار أكثر فأكثر الشارع العراقي فأزدادت اللحمة بين مكوناته وأزداد الشعور بالخطر الوجودي الذي يتهددهم,أما دول الجوار تركيا وأيران فلقد دقت عندهم كل أجراس الخطر لما يعنيه أنفصال الشمال من أخطار خارجية بنشوء دويلة معادية متحالفة مع أعداء ومن أخطار داخلية تهدد بتفكك دولهم . مازال اذن ربع العراق خارج هيمنة السلطة الأتحادية ويهدد بالأنفصال مستندا لتأييد شعبي مؤدلج وإستفتاء غير نزيه وحلفاء معادين لوحدة العراق وعلى رأسهم أسرائيل وجيش من المليشيات مجهز بأسلحة حديثة يعاونهم خبراء من دول عدة.هي إذن لحظة توازن في القوى والوقت, ألأقليم الأنفصالي يريد أي يهد الدولة العراقية ويبني عليها والثاني يريد أستعادتها وبنائها من جديد ولكل واحدا منهم أسباب ضعفه وقوته.فبالنسبة لقيادات أقليم الشمال الأنفصالية مسألة الأنفصال إن تركت اليوم فلن تسنح الفرصة ثانية في المستقبل لأن المركز سيقوى وكذلك الأطراف وسيمنعون مجرد الحديث عن هذه الرغبة أما بالنسبة للقوى المتحالفة مع الأنفصاليين فأنها فرصة العمر لتفتيت العراق وتركيا وأيران وسوريا وأعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على مرامهم ومنع هذه الدول من أن تكون قوة أقتصادية أوستراتيجية مؤثرة وأنما فقط منتجة لمواد أولية رخيصة أضافة لذلم فأن الأنفصال سيمكن حركات أنفصالية أخرى في شمال أفريقيا من الظهور.أما بالنسبة للعراق فالمسألة هي مسألة حياة أو موت لأن أنتصار الأنفصاليين سيشجع على ظهور حركات ودويلات أنفصالية أخرى فيه, طائفية ومناطقية وعنصرية وحتى عشائرية تؤدي لفناء العراق ككينونة ومسحه من الخارطة وبذلك ينتهي دور أول دولة ظهرت للوجود أربعة آلاف سنة قبل ظهور شيئ أسمه أنكلترا.أمام بغداد وقتا قصيرا لتختار أما أن تستسلم للأنفصاليين فتطلق النار على نفسها أو تستغل اللحظة الثمينة وتواصل جهودها الرافضة للأنفصال جملة وتفصيلا وبكل الوسائل بما فيها العسكرية وأستعادة الأقليم وسيساندها فعليا كل الشعب العراقي والعربي وكل من دولة أيران وتركيا ولن تستطيع أية قوة في العالم أن تنازعها حقوقها في سيادتها على أرضها وواجبها بحماية مواطنيها