نتابع جميعا تطورات الأحداث في سوريا وآخرها ، إقدام تركيا على إسقاط طائرة روسية من نوع سوخوي 24 ، وتوحد فضول الجميع في معرفة المزيد من التطورات سواء عبر شبكات التلفزة أو مواقع التواصل الاجتماعي وحتى جلسات السمر المسائية ، فالكل يدلو بدلوه مما يمتلكه من حصيلة المعلومات طوال هذين اليومين ، وكالعادة لم تخلوا هذه الجلسات من التحليلات والتوقعات المنطقية منها وغير المنطقية على حد سواء ، وما ستؤول اليه الإجراءات الروسية للرد على مثل هذا العمل ( الشنيع ) .
ومن خلال متابعتنا لإحدى مواقع التواصل الإجتماعي ، وقع نظرنا أمام مقطع فيديوي فيه محاولة لرئيس الجمهورية التركي ( رجب طيب اردوغان ) إمتطاء صهودة جواد أحضر له في إحتفال جماهيري ، وبكل ثقة حاول ذلك ، إلا أنه سقط منذ اللحظة الاولى حيث رفض الحصان نفسه أن يمتطيه من لا يعرف ركوب الخيل !! من هنا تولدت لدينا فكرة كتابة هذا المقال .. فعلى ما يبدو أن ( أردوغان ) أخطأ في حساباته ولكن هذه المرة أمام الدب الروسي .
حسابات السلطان ( أردوغان ) تبددت مع نجاة أحد الطيارين الروس الذين اسقطت طائرتهم داخل الحدود السورية ، بعد إن فشل الأتراك من قتله كزميله وهو لازال في مظلته في الهواء ، للقضاء على أي دليل يمكن أن يدينه ، لأنه والحالة هذه لا يحق لتركيا إسقاط الطائرة الروسية لآعتبارات عدة في المقدمة منها توقيع روسيا والولايات المتحدة الامريكية على وثيقة للتعاون في التصدي للإرهاب والجماعات الارهابية المتواجدة في الاراضي السورية والتنسيق بينهما خشية التصادم بين طائرات الطرفين المتواجدة في أجواء المنطقة ، كما لا يحق لتركيا إرتكاب مثل هذه الخطوة ( الغبية ) لأنها ليست في حالة حرب مع روسيا ، ولو كانوا جادين في تجنب اسقاط الطائرة، لقامت طائراتهم السريعة ال F16 بالطيران بمحاذاة الطائرة وإجبارها على الابتعاد عن المجال الجوي التركي ، لكن على مايبدو أن كل شيء كان مخطط له ليس فقط عملية اسقاط الطائرة حتى زوايا تصوير الطائرة أو الميلشيات التي حاولت قتل الطيارين في الجو قبل هبوطهم على الأرض .
ظهور الطيار الروسي بعد إنقاذه في عملية شجاعة من قبل القوات المشتركة الروسية السورية ، قلب كل الحسابات التركية ، وحاول أردوغان تعليل أسباب إسقاط إسقاط الطائرة بالقول ( لم نكن نعلم بأن الطائرة كانت روسية ) وبذلك أدان نفسه بنفسه ، فهو نفسه القائل أن الطيران التركي حذر طاقم الطائرة الروسية عشر مرات وخلال خمسة دقائق ، وبانها دخلت الاجواء التركية وعليها الابتعاد فورا ،، وكذلك تصريحات رئيس وزراءه داود اوغلو النارية بان بلاده لن تسمح لأي دولة التجاوز على أجواءها ! أليس هذا ما يثير الدهشة والسخرية !!! و أليس هو من ينطبق عليه المثل القائل ( العذر أقبح من الفعل ) .
تصريح ( أردوغان ) الغريب لم يأتي من فراغ ، فهو دليل على الارتباك والتخبط وعدم الإدراك مسبقا بالخطوة التي أقدم عليها وتقييم نتائجها وآثارها المستقبلية ، وشعوره بأنه سار وكما أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاءه بالسفراء الجدد ( سار بالعلاقات مع روسيا الى نفق مظلم ) ، فالناتو الذي أستنجد به الرئيس التركي خذله ، وعلى ما يبدو أن ( أردوغان ) لم يتعض من دروس من سبقوه الذي أستنجدوا بالحلف الأطلسي ، فروسيا قامت بخطوة تأديبية للرئيس الجورجي السابق ميخائيل سيكاشفيلي ، واعادت القرم الى حضن الأم باعتبارها أرض روسية ، وفي كلا الحالتين لم يحرك حلف الاطلسي والولايات المتحدة اساطيلها لمحاربة روسيا ، لأنها غير مستعدة لخوض حرب تكون عواقبها على البشرية جمعاء لأنها حتما ستكون حرب عالمية ونووية من الطراز الاول .
جدية الضربات الجوية والصاروخية الروسية داخل الأراضي السورية وإنتصارات الجيش السوري على الأرض وتدمير أهم مصادر تمويل الجماعات الإرهابية المتمثلة بمئات من ناقلات النفط العراقي الذي يتم سرقته من ( داعش ) وبيعه الى تركيا باسعار تفضيلية ، وتبديد حلم الرئيس التركي بإنشاء منطقة آمنة على الحدود مع سوريا لحماية من يسميهم بالتركمان ( في الوقت لا ترف عينه على ما يحدث للتركمان في العراق على يد البيشمركة والجماعات الإرهابية ) بالاضافة الى العامل المهم هو لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المرشد الأعلى للثورة الاصلامية ( خامنئي ) كلها عوامل سرعت في دخول الرئيس التركي في حالة الهذيان والذهول ، لأن ما سعى الى تحقيقه منذ خمس سنوات في سوريا والمنطقة باتت تتهدم واحدة تلو الأخرى أمام رغبة روسية جامحة للقضاء على الارهاب وبشكل نهائي .
الحديث عن المستنقع الافغاني في سوريا للعمليات الروسية سابق لأوانه ، لأن المهمة الروسية وكما قال الرئيس بوتين في أكثر من مرة محددة الاهداف والزمان ولن تكون طويلة ، بالاضافة الى أن المعطيات السياسية والجغرافية والمهمة العسكرية تختلف في شكلها ومضمونها عن عمليات الاتحاد السوفيتي في أفغانستان بالاضافة الى أن روسيا وعت الدرس الافغاني ، ودخلت
هذه المرة بقوة وحولت المارد الأمريكي وبشكل مفاجيء من المتمرد الذي يريد أن يكون سيد العالم ومقرره وهو صاحب القرار الرئيس في بقاء أو إنهاء هذه الجماعات الإرهابية المسلحة في الوقت الذي يراه مناسبا ، وحولته مجبرا أخاك لا بطر ، الى شريك باحث عن حل للأزمة السورية بمساعدة روسية ، وتراجعه عن أهم شروط الحل ، بعد أن كشفت الضربات الروسية حقيقة دعم الولايات المتحدة والغرب عموما وتركيا بشكل خاص لهذه الجماعات الإرهابية لتنفيذ مخطط عد له لتقسيم المنطقة وفق مصالح وغايات باتت مفضوحة .
الإتصال الهاتفي بين وزير الخارجية التركي بنظيره الروسي ، عكس تماما قلق أنقرة الكبير عن السبب الذي أخرت به روسيا ردها عسكريا ، وراحت تضرب أخماس في أسداس علها معرفة طبيعته وشكله ، حتي أعلن الوزير سيرغي لافروف ( أن بلاده لن تشن حربا على تركيا ) ، لكن هذه الكلمات تحمل في طياتها عدم شن عمل عسكري ، لكن الجانب الإقتصادي فتح على مصراعيه للإنتقام من الخنجر التركي الذي زرعه أوردوغان في ظهر روسيا ، وبوادر هذا الرد باتت ملامحمه ، فالشركات السياحية الكبرى أوقفت تسيير قوافلها للسياحة في تركيا ، حتى أعلن أمس أن الطائرات التركية بدأت تعود الى مدينة آلانيا فارغة من الركاب ، والدعوة الى وقف مشروع نقل الغاز الى أوربا عبر تركيا والبحر الأسود وتشييد المحطة النووية في تركيا ، بالاضافة الى منع المحاصيل التركية من الدخول الى الأسواق الروسية ، والقائمة تطول خصوصا إذا ما علمنا بأن أن البلدين يسعيان الى رفع حجم التبادل التجاري بينهما الى مائة مليار دولار ، ناهيك عن تقديم مشروع قرار في مجلس الإتحاد الروسي أمس يدين تركيا لإرتكابها جريمة الإبادة الجماعية ضد الارمن وكذلك مطالبة المتظاهرين في العاصمة الأرمنية يريفان ، روسيا بتزويدها بالسلاح للإنتقام من تركيا ، وكذلك إمكانية تفكير روسيا في دعم العناصر الكردية المسلحة بالاضافة الى نفوذ روسيا في منطقة آسيا الوسطى وإمكانية ضغطها على حكوماتها لوقف التعامل مع الأتراك ، كل هذا وغيره لم يكن في حسبان أردوغان الذي يبدو أنه لم يتعلم ترويض الحصان كي يمطتيه ، حتى ذهب للتحرش في الدب الروسي !! وجنت على نفسها براغش وداعش ! .