ان الدعاية هي الجهد المبذول لنشر فكرة ما , وبصورة اعم هي الجهود المصروفة لتركيز عدد من الجهود المتوفرة لكسب الراي العام للفكرة .”
بول كانتان :في كتابه (الدعاية السياسة )
لعل أعظم وأروع شيء في الإنسان هو التعبير عن أفكاره وتصوراته ورؤيته لغرض ايصالها لما مايريده،من خلال الكلمة سواء أكانت منطوقة أو منحوتة أم مصورة أم مكتوبة ،فالحكمة لاتكمن في إزالة رموز معينة أو أفكارمعينة،وإنما كيف يمكن التهيئة لإحلال رموزجديدة ومنحها الشرعية والحضو،وهذا لا يتم إلا عب عمل وتحضير ووسائل( الدعاية).
فالتلاعب بنقل الأخبار وتحريف الحقائق وتشويه صورتها يعد عملاً مهماً من اجل الوصول الى الهدف المطلوب تحقيقه،ومنذ خلق الله البشرية على الأرض،فالمكائد والدسائس كانت ولا تزال اقصر الطرق وأسرعها للفرد الذي يؤمن بأن طريق الخير لايجدي نفعاً،والأنظمة المستبدة التي تحاول منذ نعومة أظافرها،تخلق (عدو وهمي ) تخيف وتستفز به الشعوب،فتحقق هي مصلحتها العليا من مكاسب،وعمليات فساد متنوعة دون رقيب ومحاسب،والجماهير صامتة والعدو يقترب أكثر فأكثر متى يصل ولا احد يجيب،وغوبلز وزير الدعاية الألمانية كان محق عندما يقول (اكذب اكذب حتى يصدقك الناس ).فالسياسة الخارجية تتطلب خلق (صورة للعدو) من اجل توحيد الصف الشعبي من خلالها والاستفادة في تأجيل الكثير من المطالب الملحة للشعب،ومن أجل منح الشرعية للحروب ولتحقيق الاطماع التوسعية وإقامة الإمبراطوريات، فالدكتاتوريات الوحشية قامت بدعم كبير وهائل من العمل الدعائي،فالهيمنة والاحتلال والانقلابات السياسية جميعها تبحث عن الشرعية وعن التمويل ولا يمكن ذلك بدون الدعاية ،ومضمون مصطلح ( البروباغاندا) كوسيلة للإقناع السياسي قديم جدا من اقدم الانظمة السياسية التي عرفها التاريخ، فهي تقدم التبريرات وتمنح الشرعية لأية أفعال عدوانية ضد المخالفين في الرأي والعقيدة والجنس والقومية،بالرغم أن المصطلح أستخدم لأول مرة في علم الاتصال خلال القرن التاسع عشر.
فالدراسات اوضحت أن الفراعنة ابان حكمهم كان يلغى أحدهم الآخر ويهدم معابده ويهشم تماثيله ويكسر منحوتاته ورموزه، وقد حدث مثل هذا الأمر قبل ثلاثة آلاف عام تقريبا،وكذا الأمر في حضارة وادي الرافدين بين السومريين والأكديين وفيما بعد بين الآشوريين والبابليين وكل الأقوام التي عاشت في العراق القديم.
ان ظهور الطباعة واكتشاف المطابع أحدث قفزة هائلة في العمل الدعائي حيث صار توزيع الأوراق والكتب ليس في شتم الخصم فقط وانما في نشر الافكار والمباديء والتعاليم الخاصة ايضا ،و( البروباغاندا )،الحديثة في اللغات الأوربية، تعود لفترة حرب الثلاثين عاما التي شهدتها أوروبا ،والمانيا بالتحديد، أي ما بين الأعوام 1618 – 1648، وكما يسميها فريدريك انجلز (حرب الفلاحين)، والتي حدثت نتيجة الانشقاق التاريخي في الكنسية الكاثوليكية بتمرد (مارتن لوثر) على الكنيسة محاولا إصلاحها دينيا ودنيويا،مما ادى إلى نشوب الحرب بين الشمال والجنوب في أوروبا، وخوفا من إنتشار أفكار (مارتن لوثر) تشكلت لجنة كنسية للدعاية، كان ذلك في العام 1622. ويؤكد البروفيسور (كلاوس ميرتن) بانه لم تكن هناك أهداف لنشر افكار خاصة، وانما كانت هناك أوراق توزع تتهم الطرف المقابل بانه مشعوذ وانه هرطقي ومارق على الدين.
والسؤال يطرح نفسه ماهو تأثير واثر(الأسلوب الديني) في العراق وتحديداً بعد سقوط (دكتاتورية الخوف )؟
لقد عمدت الغرف المخابراتية للاجندات الخاريجة بالدعم الكامل لهذا الاسلوب فخطورته تتمخض إذ ينفذ إلى الأمة من أعماقها من عقائدها ويحاول ضربها ونسف كيانها العقائدي وتحقيق مصالحهم وفق ما يشتهون إذا ملكوا الأداة بغية تحقيق مخططاتهم ،والشواهد كثيرة فالجيمع وبدون انحياز شاهد مافعله الإرهاب الأعمى بارواح الأبرياء،وماتركه من ماسي والالآم في نفوس الارامل ولامهات والاباء فضلاَ عن الفوضى التي عطلت بناء بناء الكثير من المشاريع الخدمية والبنى التحتية .
والسبب يعود للمدارس الفكرية الحديثة التي صورت رؤية سوداء وبأسلوب دعائي حقير للمسلم بأن عليه الذهاب للجهاد ونيل الشهادة والغداء (بسفرة )عامرة مع الرسول (ص) وحور العين تنظراليك بلهفة مؤثرة وتنتظرك على أحر من الجمر،وغيرها من الاساليب الوضيعة التي تدعوا لحماية الدين والإسلام من الضياع والهلاك في العراق لوجود المحتل وانتهاكاته ،
فقد غرر بهم في إرسالهم لنيل الموت لا الشهادة ،وأي شهادة هذه تعطي الحق للمرء في زرع ثقافة تؤمن بالدم وتنبذ الحوار ولغة التعايش السلمي ،انها شهادة لاتريد لمشروع الديمقراطية ان ينجح ويستبدل الرئيس ورئيس الوزراء والحكومة بأكملها والبرلمان كل عن طريق صندوق الاقتراع ،انها تخشى من نهوض العراق من كبوته وبقاؤه بدوامة الخلافات الداخلية والخارجية والجبهات مفتوحة وعديدة ،فاستعاد وضعه الطبيعي في الصف العربي والاسلامي والعالمي ،يعني ان دولة كثيرة ستجد نفسها بين ليلة وضحاها قد فشلت مشاريعها ،فشبح التغيير سيأتيهم لامحال منه ،والمشروع الديني (الطائفي ) الذي تلعب به في كل زمان ومكان ، أصبح غير نافع ولايحقق لهم ما يريدونه من مكتسبات فتنوع الدين والطائفة والقومية في البلد ليس عامل ضعف وفيه إساءة انما مصدر قوة ،فالحضارات تتلاحق والافكار تتشابك مع بعضها البعض لتعطي للزمن صورة مشرفة والتاريخ يسجل ويحتاج ايضاً ليدون في سجله المآثر والتضحيات والإخفاقات التي حدثت هنا وهناك .