9 أبريل، 2024 12:53 ص
Search
Close this search box.

العدل بين الأبناء

Facebook
Twitter
LinkedIn

الذرية رزق كما كل شيء ينال ابن آدم في هذه الحياة ، ولأن الأرزاق لاتتساوى بحكمة الله الرزاق جل جلاله فإن من الأولاد النجيب ومنهم اللبيب وفيهم الناجح والفاشل وبعضهم المتمرد والآخر مطيع ،ومن الرجال من تجنمع في ذريته كل هذه النماذج من الاولاد ، ولابد مع هذا من اختلاف التعامل الذي يظنه الإبن “إختلاف مشاعر” او تفرقة في المحبة والعطاء ، أو بغض لإبن وحب لآخر ،وهذا مالايمكن ان يحصل من الأب تجاه ائ من ابنائه بسبب فطرة الأبوة وطبيعة المحبة الأبوية التي لاتختلف من إبن لآخر ، ولكن أنى للولد ان يعرف ذلك او يدركه إن تسرب الى نفسه الشك او سيطر على عقله الحسد او أعمى بصيرته الظن بالظلم ونقص الرعاية عن غيره من أخوته ،
وهاك مثلا من بيت نبوة ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ يقول الطنطاوي في تفسيره الوسيط: “والمراد بأخيه : أخوه من أبيه وأمه وهو “بنيامين” وكان أصغر من يوسف – عليه السلام – أما بقيتهم فكانوا إخوة له من أبيه فقط .ولم يذكروه باسمه ، للاشعار بأن محبة يعقوب له ، من أسبابها كونه شقيقا ليوسف ، ولذا كان حسدهم ليوسف أشد ،انتهى كلامه.
فانظر كم تمكن الحسد من أخوته الراشدين للحد الذي رأوا ان أباهم يفضله حتى على أخيه الشقيق ، وكل هذا لم يات من فراغ ولو أن يعقوبا عليه السلام نبي ولا يظلم ولايفرق ،ولكن بدا منه امر زرع في نفس اولاده الظن والغيرة والحسد ممن هو من دمهم ولحمهم ،أخيهم الذي يحبونه دون شك. يقول ابن عاشور رحمه الله :”ودعواهم أنّ يوسف عليه السّلام وأخاه أحبّ إلى يعقوب عليه السّلام منهم يجوز أن تكون دعوى باطلة أثار اعتقادها في نفوسهم شدّةُ الغيرة من أفضليّة يوسف عليه السّلام وأخيه عليهم في الكمالات وربّما سمعوا ثناء أبيهم على يوسف عليه السّلام وأخيه في أعمال تصدر منهما أو شاهدوه يأخذ بإشارتهما أو رأوا منه شفقة عليهما لصغرهما ووفاة أمّهما فتوهّموا من ذلك أنّه أشدّ حبّاً إيّاهما منهم توهماً باطلاً . ويجوز أن تكون دعواهم مطابقة للواقع وتكون زيادة محبّته إيّاهما أمراً لا يملك صرفه عن نفسه لأنّه وجدان ولكنّه لم يكن يؤثرهما عليهم في المعاملات والأمور الظاهريّة ويكون أبناؤه قد علموا فرط محبّة أبيهم إيّاهما من التوسّم والقرائن لا من تفضيلهما في المعاملة فلا يكون يعقوب عليه السّلام مؤاخذاً بشيء يفضي إلى التباغض بين الإخوة”.إنتهى كلامه.
ومهما يكن من صحة سبب الذي اورده المفسرون دون آخر إلا ان الذي جرى – وفي آيات الله عبرة- إن إحساس أخوة يوسف بزيادة محبة ابيهم لأخيهم أثار البغض دونما قصد من نبي الله ،و ﴿لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِۦٓ ءَايَٰتٌ لِّلسَّآئِلِينَ﴾. أما تفضيل الأب بعض بنيه على بعض من غير مسوغ من حاجة، أو عوز فإنه يعتبر من الجور وعدم العدل بينهم، لما ثبت في الصحيحين واللفظ لمسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد لما نحل ابنه النعمان نحلاً [أي أعطاه هبة خاصة من ماله أو ملكه] وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك، فقال له: يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تشهدني إذا، فإني لا أشهد على جور. وفي رواية لهما: قال له أيضا: فأرجعه. وفي رواية لمسلم: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ، قال فرد أبي تلك الصدقة. وفي رواية عند أحمد: “إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم”
وفي إجابة لابن باز رحمه اللله عن :”هل يجوز للشخص ان يخص بعض أولاده بالهبة دون غيره ” قال :لا يجوز للوالد أن يخص بعض أولاده بالهبة ، بل الواجب عليه أن يعدل بين جميع أولاده ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ ) .انتهى كلامه رحمه الله.وقال شيخ الإسلام رحمه الله عمن فضل بعض أولاده على بعض : “والصحيح من قولي العلماء أنه يجب عليه أن يرد ذلك في حياته ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن مات ولم يرده رُدَّ بعد موته على أصح القولين أيضا ، طاعة لله ولرسوله ، واتباعا للعدل الذي أمر به ، واقتداء بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ولا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل ، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به” انتهى كلامه
ومن هذا ومن سماحة ديننا ومن سلامة المجتمع ومن وسوسات النفس البشرية نرى ان أظهار التفرقة في محبة إبن عن آخر -وإن كان لمسوغ الذكاء او الطاعة او اي امر مستحسن ام فطري خلقي- ليس من الحكمة ولا من حسن تسيير الامور ، ويروى في ادب العرب إن شاعرا رثى ولده الفقيد فبالغ في تمييزه عن أخوته الأحياء حبا وشفقة فأغضبهم حتى تركوا عزاءه ، فرفقا أيها الآباء بمن لايطيب لكم أفعاله من الابناء ،فإنهم لايعرفون إن المحبة واحدة وان الغضب امر عرضي يتبع التقصير وان الرضا رد فعل منطقي يجزى به الإبن المطيع ، ولنكن من هذا الأمر على حذر ، فإن الله تعالى يعرف النوايا والناس لاتعرف الا الأفعال ، والحمد لله رب العالمين .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب