حينما تستيقظ الوحوش يغيب العقل ، ولكن الرقيم تستيقظ أمام جميع فكوك الوحوش القاسية ، الرقيم المتمثلة بهيئة تحريرها تحاول الأمساك بلحظة المغامرة هو الهاجس الذي يدفعنا لخوض هذه الصعاب مهما كان مصدرها .. إجتماعيا ، سياسيا ، ثقافياً ، إقتصاديا ، هكذا بدت الرقيم بمثابة الجسر الذي يفتح لنا أفق المغامرة ، هي السؤال الذي يربك أنصاف الأميين ومن دعاة الثقافة .. الرقيم هي أمتلاك سلطة المعرفة بكل ثقلها وقوتها وعزيمتها على المثابرة والتصدي لمن يمتلك سلطة العنف بكل تمظهراته ، وخاصة ذلك العنف المبرمج على وفق أيديولوجيات وأفكار جاهزة تحاول قوى الظلام تصديره ألينا ، وأخطرها ذلك العنف المتخفي في طيات المجتمع حينما يمارس المجتمع عنفا رمزيا على المثقف المبدع ، والذي تظهر آثاره واضحة من خلال عمليات الإشهار ، عندئذ تأخذ العلامة أو ( الأيقونة ) دورها المهيمن أنْ كانت صورة ، أو شعاراً سياسياً ، أو يتخذ من الدين غطاء يخفي تحته عنفه الرمزي الخطير ، ناهيك عن مظاهر السلطة المسلحة ، هكذا بدت الشعارات واللافتات السياسية والسياسي بمثابة الوصي والمهيمن على ثقافة مؤدلجة يحاولون تصديرها إلى العقول الخام .. من هنا ولدت الرقيم وهي صرخة أحتجاج ، في وقت يريدون أن تكون الثقافة واحدة من السلع الأستهلاكية تباع في المتاجر إلى جانب الأجهزة الكهربائية ، والألبسة الجاهزة ، وفي وقت أصبح فيه اليقين والوهم والخرافة هي الحقيقة المطلقة .. وفي خضم هذا الجيشان من العراقيل والإنكسارات والإحباطات أصبح عمر الوليد / الرقيم عام وهو يشق طريقه بالتحدي والمثابرة لينجز أربعة أعداد .. أنه حقا العرس الثقافي الذي تفتخر به مدينة كربلاء الذي لم يشهد تاريخها بمولود ثقافي آخر مثله ، وهو يتوج أسمها في كل أنحاء الوطن العربي ، نعم لقد وقف الوليد على قدميه بهمة المساهمين فيها من مبدعي أشقائنا العرب والعراقيين ، هم كتابها الحقيقيين هؤلاء هم محرروها وهم يحتفلون بعيد ميلادها .. من هنا يؤكد رئيس تحريرها الأستاذ عباس خلف علي ، بأنَّ خارطة حضور هذا الوليد والذي يقصد به بريدها مع مساهميها من كتابها المبدعين راح يأخذ بالأضطراد والتوسع على الرغم من غضاضة عمر المطبوع الذي لم يتجاوز ثلاثة أعداد في سقف زمني لا يتعدى العام .. وهذا ما يؤشر أن ( موطئ القدم ) هو هاجسنا في انوجاد المعرفة لم يعد موطئاً ساكنا أو مقيداً أو راكداً ، بل صار أكثر أتساعاً من بؤرة تلاقح وجسر تواصل بين هيئة التحرير ومبدعيها المساهمين معها والرافدين له من كل مكان والإنتقال إلى حالة جديدة تستوطن فيها طاقة الترافد المعرفي التي تتداخل فيها الأسئلة ..
هكذا أيها الأحبة ولد العدد الرابع من مجلة الرقيم الثقافية الفصلية الورقية بأحد عشرة محوراً …
1 / ففي المحور الأول وهو محور الدراسات الفكرية والنقدية جاءت أربع دراسات ثقيلة بطروحاتها ومفاهيمها المعرفية فالدراسة الأولى جاءت بعنوان : ( في البلاغة الجديدة ولسانيات النص ) للدكتور بن يحيى ناعوس / جامعة وهران / الجزائر .. أكد فيها د . ناعوس بأن البلاغة كانت تشغل حيزاً عظيما في حقول المعرفة الفلسفية والنقدية والأدبية منذ أرسطو ومرورا بالدراسات العربية في عصورها الذهبية ، وصولاً إلى التيارات الأدبية الحديثة ، وللبلاغة علاقة وطيدة بالنص الأدبي في شتى تمظهراته وتشكلاته الفنية والأدبية والتحليلية ، وفي هذا تُنَصْب البلاغة لنفسها مقاماً محموداً في الحقول المعرفية المختلفة ، كما أكد في ذلك حازم القرطاجني في تبيان مدى شساعة مجال البلاغة ( كيف يظن إنسان أن صناعة البلاغة يتأتى تحصيلها في الزمن من القريب ، وهي البحر الذي لم يصل أحد إلى نهايته مع أستنفاد الأعمار ) ..فعملية الحفر في مجال بنيات النص الأدبي للوقوف على المعنى المخبوء تحت النسيج اللساني والصوتي ، ستظل في صيرورة وديمومة مادام أن هناك نصوصاً تُرصف وخطابات تُقال .. وفي معرض كلامه يقول الكاتب أن دوافعي في أختيار هذا الموضوع تعود إلى عدة أسباب أهمها : 1 / ظهور كتب كثيرة تحمل العنوان القديم متضمنة الجديد … 2 / لم يعد رجوع البلاغة موضع جدال بين الدارسين سواء أولئك الذين نادوا بعودتها أو الذين لم يفعلوا ذلك فالكل منخرط في البحث في أسباب هذا الغزو الجديد … 3 / قلة الدراسات العربية في هذا المجال مع وجود مجهول معتبر في مجال الترجمة . وعلى وفق هذه الأسباب رصد بحثه من خلال العناصر اللآتية : وهي : * / الدرس البلاغي والعودة من جديد … * / البلاغة والأسلوبية …. * / البلاغة ولسانيات النص … * / علم البلاغة أنموذج جديد لقراءة النص الأدبي . وعلى وفق طروحاته الفكرية في هذا البحث كلل بحثه بالأستنتاجات الآتية : صار لزاماً توسيع المفاهيم البلاغية القديمة ودفعها تصنيفا وتفسيرا … ضرورة زرع التقارب المفهوماتي في حقول تحليل الخطاب بين النقد القديم والجديد …. تفسير طبيعة الصور البلاغية وكيفية أشتغالها بأدخالها في نسق عام وأستخراج البنية المشتركة بينها …. الضرورة المعرفية تلح على وجود علم للنص لدراسة النصوص بصفة عامة وأثبات أن كل نص هو بشكل ما بلاغة … البلاغة الجديدة أوسع من لسانيات النص في كونها تهتم ببلاغة الكلمة وبلاغة الجملة وصولاً إلى بلاغة النص ….
أما الدراسة الثانية جاءت بعنوان : ( الرواية العربية بين جدلية الأنا والآخر – أدب الصورة – ) للدكتور جميل حمداوي … أكد د. حمداوي في بحثه أن موضوعنا هذا يندرج ضمن الأدب المقارن أو أدب الصورة ، حيث ترصد دراستنا المتواضعة مراحل رواية الأنا والآخر في أدبنا العربي الحديث والمعاصر ، وذلك عبر تحديد مجموعة من الرؤى التي تحكمت في هذه النصوص السردية والروائية والتي حصرناها في : الرؤية الأنبهارية ، والرؤية الحضارية ، والرؤية السياسية الحقوقية ، والرؤية العدوانية . مؤكدا في بحثه أنه أعتمد على منهجية تاريخية تحقيبية تهتم بتحديد المراحل التاريخية التي عرفتها رواية الأنا والآخر في أدبنا العربي الحديث والمعاصر ، مع أعتماد منهجية تطبيقية فنية تحليلية تبرز القضايا المضمونية والتيمات الموضوعاتية والظواهر الدلالية البارزة في هذه الروية ، مع أستخلاص المميزات الفنية والجمالية التي تخصص هذه الأعمال الأبداعية ، وتفردها عن باقي الاجناس والأنماط الروائية والسردية الأخرى . وبذلك كانت عيناته من مختلف أقطار العالم العربي .مؤكدا في ذلك إلى أنَّ الجديد في بحثه هذا كتصنيف رواية الأنا والآخر فلسفيا وأدبيا إلى مجموعة من الرؤى إلى العالم (الرؤية الأنبهارية ، والرؤية الحضارية ، والرؤية السياسية الحقوقية ، والرؤية العدوانية ) .هذا وقد كانت عيناته من القطر المغربي والسعودي والمصري والبنانى والسوري الفلسطيني . هذا وقد كلل بحثه بالأستنتاجات الآتية : 1 / التقابل بين الشرق والغرب 2 / أستعراض جدلية الأنا والآخر ضمن علاقتهما الأيجابية والسلبية 3 / حضور تيمة السفر والأرتحال ؛ مما يقرب هذه الرواية من أدب الرحلة 4 / هيمنة الخاصية السياحية المقرونة بالأنبهار والاندهاش ؛ وذلك بسبب التفاوت الحضاري بين الشرق والغرب 5/ تحول جدلية الأنا والآخر من مرحلة الانبهار والاندهاش والتعجب إلى المساءلة الحضارية والسياسية 6/ الرواية – السيرة الذاتية – اليوميات – الرحلة – المذكرات – الرسائل 7 / تشغل المرأة رمزاً حضارياً للتأشير على ثنائية الشرق والغرب 8 / توظيف ثنائية الرجولة والأنوثة للإحالة على الشرق والغرب في تقابلهما الحضاري والثقافي 9 / التركيز على عنصر الفضاء المكاني إما باعتباره حلما حضارياً مثالياً ( رواية – الأديب – ، ورواية الأيام لطه حسين ) ، وإما بأعتباره فضاء للصراع والعدوان ( رواية أمواج البحر لمصطفى شعبان ) 10 / أقتران البطل المحوري في الرواية بشخصية الكاتب تطابقاً وسيرة وإنعكاساً وتمثيلاً وإحالة وخاصة في الروايات الأوطوبيوغرافية أو روايات السيرة الذاتية 11 / خضوع الموضوع المرغوب فيه سيميائياً على مستوى الرغبة لثنائية الأتصال والإنفصال 21 / التأرجح فضائياً بين مكانين متقابلين المكان الأصلي ( المهجور ) ومكان الجاذبية أو المكان المرتحل 13 / الإنتقال إيقاعياً من الزمن الحاضر واقعاً وكينونة وأساءة وتخلفاً ( الشرق ) إلى الزمن الممكن المستقبلي أستشرافاً وحلما وتقدماً ( الغرب ) 14 / تعدد دواعي الإرتحال وحوافزه ، والتي تكمن في : السفر ، العلم ، الحب ، البحث عن العمل ، السياحة ، البحث عن الإستقرار ، التجارة ، الإستشفاء العضوي والنفسي ، الهروب من الأستبداد ، اللجوء السياسي ، النفي ، معرفة الآخر 15 / توظيف خطاب الأستغراب المضاد لخطاب الأستشراق 16 / الغرب في الرواية نوعان من حيث الأيديولوجيا : رأسمالي وأشتراكي وكلاهما رمز للتقدم والأزدهار 17 / حضور جميع مقومات الحبكة السردية قصة وخطاباً ، متناً وشكلاً …
أما الدراسة الثالثة جاءت بعنوان 🙁 خطاب علم الأسلوب : تكون وتطور ) للباحث الدكتور عبد الحكيم المرابط / كلية الآداب والعلوم الإنسانية / جامعة القاضي عياض / مراكش … أكد الباحث في دراسته القيمة أن علم الأسلوب قد شق طريقه وأخذ يبحث عن ترسيخ دعائمه ، كاتجاه ضمن اتجاهات النقد الأدبي الحديث ، منذ بداية القرن العشرين ، وذلك بعد هالة من الشكوك المواكبة له ، والتي أثيرت حول شرعية وجوده ، فدفعت به مداً وجزرا إلى القواعد التعليمية القديمة وأخرى إلى ضبابية الذوق الفني والحس اللغوي ، ولعل أبرز التطورات التي حدثت على مستوى علم الأسلوب تكاد ترتبط في مجملها ، بشكل موازي بالتطورات التي حدثت على مستوى علم اللغة ، وهو يذهب ما أكده عبد السلام المسدي – منذ عام 1902 كدنا نجزم مع شارل بالي أنَّ علم الأسلوب قد تأسست قواعده النهائية ، لكن الذين تبنوا دراسات بالي في التحليل الاسلوبي من بعده قد سارعوا إلى نبذ معظم الأسس العلمية ، التي بنى عليها بالي تحليله ، وشحنوا عمله الأسلوبي بشحنات من التيار الوضعي الذي جعل من اللغة كياناً مستقلاً خاضعاً لقوانين ثابتة ، تفرض نفسها على الفرد رغم أنه هو موجدها ومبدعها .مؤكدا الباحث أن هذا الذي حصل بين بالي وبين مواليه قد شكل تفاقما منهجياً واضحاً في الأسلوبية المنتسبة إلى بالي ، هذا ما أدى إلى ردة فعل معاكسة تمثلت في ظهور الألماني ليو سبتزر بمنهجه الأسلوبي الأنطباعي المغرق في الذاتية . هذا وقد أطلق الباحث سؤاله المركزي قائلاً : فإذا كان علم الأسلوب في النقد الأدبي الغربي الحديث قد نشأ وتطور بفعل نشوء علم اللغة وتطوره ، بشكل مواز ، فكيف تم ذلك في النقد الأدبي العربي الحديث .. ؟
أما الدراسة الرابعة فقد جاءت بعنوان : ( خصوصية الخطاب في رواية البعد الخامس ) للباحثة الدكتورة سمر الدّيوب من جامعة حمص / سورية .. ويبدو أن دراسة الباحثة تقع ضمن مجال أدب الخيال العلمي وهي تؤكد بأن هذا النوع من الأدب يثير فينا أسئلة معددة حول طبيعته التي تبدو متضادة من جهة كون الخيال علمياً ، ومن جهة الجمع بين الخيال والعلم ، وحول مدى علاقته بالعلم من جهة ، وبالخرافة من جهة أخرى ، والفرق بين أدب الخيال العلمي والأدب العجائبي ، والفرق بينه وبين الخيال الأدبي . وهي تؤكد بأنَّ هذا البحث يحاول الإجابة على الأسئلة التي تتعلق برواية الخيال العلمي ، فما أمكان تحليل الخيال إلى حقيقة ؟ وما طبيعته ؟ وما ضرورة الحاجة إليه ؟ وما التقنيات المستخدمة في بناء الخطاب في هذا النوع من الأدب ؟ وما مستوياته ؟ وقد أجرت الباحثة أجراءاتها التطبيقية على رواية ( البعد الخامس ) للدكتور طالب عمران . وقد أكدت الباحثة في معرض بحثها المعرفي وهي تقول : ثمة فرق بين أدب الخيال العلمي والخرافة ، ذلك لأنه يستند إلى ما لدى الأديب من مخزون علمي ، كما أنَّ قصص الخيال العلمي تلتفت إلى الحاضر أو المستقبل ، ولا تحمل رؤيا أنكفائية ، وتحفز المتلقي على التطلع إلى التقدم العلمي ، ولها صفة تنبؤية . وتختلف هذه الرواية عن القصص الخرافية لأحتوائها على المنطق العلمي والقياس العلمي والنتائج المنطقية مع أنها بعيدة عن الواقع .والخيال هنا هو خيال مستقبلي فقط .
2 / أما المحور الثاني فهو محور متخصص بالنقد الثقافي وقد تكلل هذا المحور بأربع دراسات قيمة تتناول إشكالية الهُوية من خلال الهُوية السردية التي تناولها الناقد بول ريكور ، ثلاث من هذه الدراسات تناولت شخصية المبدع من خلال هويته السردية وتفاعله مع الواقع الراهن المعطى ….الدراسة الأولى جاءت بعنوان ( الهوية السردية من القراءة إلى الرؤيا ، قصص مدن وحقائب ، أنموذجاً ) للكاتب والباحث الاكاديمي الدكتور محمود خليف خضير من جامعة الموصل / العراق … أنطلق الكاتب من إشكالية المصطلح قائلاً : ثمة أضطراب في التصور المفهومي والأصطلاحي للهُوية في الساحة العلمية ، والمعرفية ، والثقافية ، والفلسفية ، والنقدية ، تجسدت في صور التداخل والأضطراب التي أشتغلت فيها الهوية في حقول معرفية مختلفة في الأنثروبولوجيا والدين وعلم النفس واللغة ، والأدب والأنطولوجيا ، والتي تقلبت فيها الهوية على صور وقوالب فكرية ومفاهيمية تتماهى مع الحقل المعرفي ، والفلسفي الذي يدخل في فلكها الأصطلاحي وجهازها المفاهيمي ، ولكن من خلال قراءة تجليات الهُوية في هذه الحقول المتنوعة التي فتحت كينونة الهوية إلى مناطق وعوالم لامتناهية أخرجتها من القارية والمحدودية العلمية الثابتة ، ولكن عدم الدقة والقارية في مفهوم ومصطلح الهوية لا يمنع من أن معظم تعاريف الهوية تتبلور حول الجوهرية والعرضية ، والثابت والمتغير ، والتطابق والتضاد ، والفردي والجماعي ، والوحدة والتعدد .والتي لا تبتعد عن كونها – الهوية – علاقة قائمة على التطابق مع الذات عند شخص ما أو جماعة إجتماعية ما في جميع الأزمنة وجميع الأحوال ، فهي تتعلق بكون شخص ما أو كون جماعة ما قادراً أو قادرة على الأستمرار في أن تكون ذاتها وليس شخصا أو شيئاً آخر ، وهذا لا يمنع من أن تتفاعل الهُوية بمحيطها الداخلي مشكلة صراعاً داخلياً يساعد على بناء الذات كما في الصراع الفرويدي ( الهو ، الأنا العليا ، الأنا السفلى ) أو الصراع الخارجي وضروراته الاجتماعية والثقافية والوجودية وحالة الأنتماء الانطولوجي للذات . وقد طبق الباحث أجراءاته المعرفية التي تتعلق بالهوية السردية على المجموعة القصصية مدن وحقائب للقاص سعدي المالح .
أما الدراسة الثانية وهي من الدراسات الحديثة الثقيلة بطروحاتها المعرفية وبرؤاها الثاقبة … وقد جاءت بعنوان ( المقاربة الجمالية في فلسفة ماركوز ) للباحثة الدكتورة آمال علاوشيش – قسم الفلسفة – جامعة الجزائر …. وهي دراسة تبحث عن الفن بمختلف صوره وأشكاله أداة لتحقيق الحرية والأنفلات من قلق الحياة والوجود وذلك من خلال القوة المتخيلة أو البُعد الجمالي ، فهو وأن كان يناقض العقل الذي بدل أن تدمر الحضارة تُساهم في إنمائها وجعلها أشد دقة ، وقد أشار سيجموند فرويد إلى المخيلة بأعتبارها ملكة تعمل على نسج تصورات يُعبر عنها العقل الباطن أو مكبوتات اللاشعور ، وذلك عندما أرتأى أنَّ الخبرة الواعية هي مجرد سطح للنشاط الوجداني والعقلي للإنسان ، وأنَّ حالاته الشعورية ليست سوى أفعالاً منعزلة أو شذرات من الحياة النفسية الشاملة ، هذه الأخيرة تقوم في أساسها على اللاشعور ، لهذا كانت الظواهر النفسية في نظره تنبعث من قوى حيوية تعتبر طاقة تصدر عنها ظواهر الحياة ، متمثلة في غريزتين ، الأولى غرائز الجنس أو الحب ، التي تسعى إلى اللذة والإشباع فتتجنب الألم الذي يبعث توتراً تتم أزالته أو تخفيف شدته ، والثانية هي غريزة الهدم أو الموت ، فالحضارة قمعية لأنها تضيق الخناق على الغريزة الجنسية وتأخذ قسطاً من طاقتها لتُوظفه في خدمة المجموع ، في الوقت ذاته الذي تعمل فيه على الحد من الغريزة التدميرية لدى الإنسان …وتذهب الباحثة علاوشيش في بحثها الرائع هذا عن الأداء الجمالي إذ تقول : أنَّ أقصى ما يستطيع الفن أنْ يفعله هو أنْ يكون وسيلة للتعبير عن السخط على الوضع القائم والحُلم بوضع مرتقب ولكن هى عاجزة عن توجيهنا في مجال الواقع الفعلي وفي ميدان الممارسة ، وبهذا تؤكد الباحثة في طروحاتها الفكرية أن الفن لا يستطيع أنْ يغير العالم ولكن يستطيع الإسهام في تغيير وعي وغرائز الرجال والنساء الذين يمكن لهم أنْ يغيروا العالم …
أما الدراسة الثالثة التي تقع ضمن محور النقد الثقافي جاءت بعنوان : ( الهوية المسيحية في الرواية العراقية ) للباحث علي كاظم داود من العراق .. أبتدأ الباحث بحثه عن مفهوم الهوية وإشكالياته المعرفية وجذره الفلسفي فهو يقول : أن مفهوم الهوية يثير فينا شهية الأسئلة النقدية بشكل كبير وتأخذ قضاياه مساحة واسعة في التمثيل السردي الروائي ، فقد ظهرت في المنجز الروائي العراقي الجديد الصادر بعد التغيير ، وبشكل لافت ، تمثيلات مختلفة لشؤون الهوية وموضوعاتها ، كأستبدال الهوية والهجنة والهويات الفرعية والأقليات العرقية والطائفية كما شهد الأفصاح عن كثير مما كان مسكوتاً عنه في ما سبق ، إذ لم تكن مسألة الهوية بعيدة عن السياسة وتأثيراتها ، فلا يُستبعد أن تكون هناك قصدية أيديولوجية في تغييب الحديث عن قضاياها لصالح هوية قومية واحدة وأمل عربي كبير . حدث التغيير كان له أثر كبير في ان يطفو خطاب الهوية فوق سطح النصوص السردية الروائية ، حيث تترك الأحداث التاريخية الكبرى بصمات واضحة وظاهرة على كافة الأشكال الأدبية والفنون عامة . أنَّ الحروب والثورات الاجتماعية والصناعية غالباً ما تهزُّ الضمير الإنساني وتغير كثيرا من المفاهيم والقيم والأفكار السائدة ، وعلى وفق هذا السياق فقد شهد المجتمع العراقي قبل التغيير وبعده صدمات كثيرة وهزات شديدة ، لا يمكن لجيل واحد أن يشهدها فضلاً عن أن يحتمل آثارها ، فكانت بمثابة الغربلة لإظهار كل ما كان مضمراً في أعماق هذا المجتمع ، وما كان مغطى من ملامح ثقافية حقيقية خلف تلك الأقنعة المصطنعة . ويذهب الباحث في بحثه مؤكداً ، يبرز هنا المنحى التاريخي ، قريبه وبعيده ليشكل قسماً كبيراً من معمار تلك الروايات وهو بلا شك من العناصر الأساسية في تشكيل الهوية ، وسواء كان التاريخ ذاكرة فردية أو جمعية فإنه في كلا الحالتين ، يسهم في تنميط سلوك الفرد ليصبه في قالب هوية شخصية أو هوية عليا يتشاركها مع أفراد آخرين …
أما الدراسة الرابعة التي تقع ضمن محور النقد الثقافي هي الأخرى جاءت لتبحث عن هوية أخرى عن طريق الطروحات السيسيولوجية وقد جاءت بعنوان ( سيسيولوجيا الدولة المدنية .. محنة الثقافة وأسئلة الهوية ) للباحث الأستاذ علي حسن الفواز من العراق … وقد ذهب الباحث في بحثه قائلاً : أن الطروحات السيسيولوجيا الوظيفية تظل بمنأى عن بعض أشتغالات المنهج ، إذ هي تسعى لتموضع في مقربات تلامس الظواهر الأجتماعية المتحولة والتي باتت تفترض فحصاً منهجياً ، وإجرائياً يستعير أدوات المنهج ، لكن من منظور تفاعلها مع الوقائع والمعطيات التي تتفاعل معها الذات الاجتماعية ، بوصفها ذاتاً وجودية ، ومائزة عن غيرها في سياق التغايرات التي تطرحها الصراعات السياسية والاجتماعية والقرابية ، فهذه الصراعات أسهمت إلى حد كبير في تغيير المنظور المنهجي للظواهر ، لاسيما وأنْ السيسيولوجيا لم يعد علما يتقصى دراسة الشخصية والجماعة حسب ، بل بات قريباً من تمظهرات الواقع ، ومنها ظواهر الدولة والحزب والكتلة ، وصولاً إلى مقاربات البنيات الجامعة في هذا السياق ، وهو ما يتطلب اليوم مقاربات سيسيوثقافية تكشف عن المقاربات الثقافية والسياسية ، وباتجاه التعاطي مع العقد التي يطرحها الصراع الهوياتي والجماعي في الحياة العراقية الجديدة …
3 / أما المحور الثالث : فهو محور كتاب العدد ( في الثقافة والخطاب عن حرب الثقافات .. حوار الهويات الوطنية في زمن العولمة ) للباحث عبد الرزاق الداوي … وقد حمل سؤاله المركزي هل يمكن أن نؤسس لمرحلة جديدة ، مرحلة تعطي لهذا الإنسان شرطه بالوجود المادي والمعنوي ..؟ لذا علينا أن نستوعب القيم المفهومية والإجرائية للحضارة كمجموعة وظائف وممارسات وسلوكيات ومواقف ، فضلاً عن أستيعابنا لتوجهات العلم والتخطيط والبرمجة في ان تكون ذات بعد إنساني تهدف للتنمية والرفاه والوفرة وصناعة السياقات التي تؤكد أهمية فكرة بناء الدولة الحضارية المدنية التي تؤمن بالمواطنة وحقوق الجميع والتعايش السلمي ، واليقين بأن الصناعة الثقافية ستكون هي الجسر الحقيقي الموصل لهذه الحضارة ودورها الفعال في تعميق البنيات التي تشرعن المعرفة والتعليم الأساسي والتعليم الأكاديمي والأختصاصي ، وبما يعطي للإنسان العراقي قيمته الأخلاقية والمادية التي تدفعه للمشاركة الجادة في عمليات التنمية الخلاقة والتي لا يمكن ان تقوم دون إيمان وتخطيط ودعم وبرمجة صناعة الدولة ودون فعل الثقافة كمصدر حيوي لإنتاج القيم والعلوم والاداب والمعلومات والفنون وكل ما يدخل في مجال بناء الإنسان الجديد .. وفي اطار موضوع المقاومة بالحداثة يذهب الباحث في حديثه : نحن نذهب إلى ان مقاومة العولمة الثقافية يجب أن تتم بأسلحة الحداثة ذاتها وان تتوجه بالأحرى إلى نزعاتها العدوانية والإستغلالية ، وإلى مواقفها المهمشة للمجتمعات النامية والمحتقرة لثقافاتها والمحولة لها إلى أذناب واسواق للأستهلاك …
4 / أما المحور الرابع فهو محور مفهوم الوثيقة التاريخية في النص فقد جاء بدراسة واحدة بعنوان : ( دلالة النص التاريخي عند واسيني الأعرج .. التماهي في أستدعاء الوقائع ) للباحث الاستاذ أحمد بقار من جامعة قاصدي مرباح ….أكد الباحث في دراسته القيمة هذه أن دراسته تطمح إلى أستنطاق ثلاثة أعمال روائية للروائي الجزائري واسيني الأعرج وهي : ( وقع الأحذية الخشنة ، رمل الماية ، فاجعة الليلة السابعة بعد الألف ، كتاب الأمير – مسالك أبواب الحديد ) من خلال أبراز بعض الأبعاد الدلالية لبعض الوقائع والاحداث المستدعاة ، والتمييز بين الرواية التاريخية ، والرواية الفنية التي تستدعي التاريخ … وفي معرض حديثه عن التراث أكد الباحث في دراسته القيمة هذه : أنَّ أدبنا المعاصر شعراً ونثراً عرف صورة من علاقته بالتراث لم يسبق له أنْ مر بها عبر تاريخه الطويل وهذه الصورة هي ما يمكن أن ننعته بـ : توظيف التراث ؛ أي أستخدام معطياته أستخداماً فنياً له أبعاد دلالية ، وتوظيفها رمزياً لتحمل الرؤى المعاصرة للتجربة الأدبية ، بحيث يمزج الأديب معطيات التراث بملامح معاناته الخاصة ، فتغدو هذه المعطيات تراثية معاصرة في الآن ذاته .. وعلى وفق هذه الرؤية في توظيف التراث في الأدب يبدو الروائي واسيني الأعرج ليس عارضاً آلياً للوقائع والأحداث ولا يلتقطها بإحساس خارجي جاف ولكنها أصطبغت بصبغته وامتزجت بذاته والنص يغدو عصارة تفاعل عوامل عديدة تشكل موقفه الخاص من العالم ….
5 / أما المحور الخامس فهو محور الترجمة وجاء مكللاً بدراسة الباحثة الأستاذة ( لعريبي ريمة ) بعنوان : ( العامية في التنظير الترجمي ) .. الباحثة لخصت بحثها قائلة : كان البحث عن التكافؤ ولا يزال شغل المترجم الشاغل وأوليته الأولى وقد يقع البحث عن التكافؤ في سياقات مختلفة أخترنا دراسة واحدة منها في هذا البحث وهو التكافؤ على مستوى العاميات أو اللهجات ، والإشكالية هنا تقع في كثرة الخصوصيات المحلية وكثرة الفراغات في اللغة المستهدفة مما يجعل المترجم مجبراً عن البحث عن حلول عملية وعن نوع خاص من التكافؤ يتناسب ونوع اللغة التي يترجمها .. والباحثة المترجمة تؤكد من خلال دراستها ، أن هذا البحث هو عرض أهم ما قدمه الدارسون والمنظرون في عالم الترجمة من حلول عملية حول ترجمة العاميات واللهجات .. وهذا يؤكد أن اغلب الدراسات عن ترجمة العامية يعدُّ هامشياً لم يثر شهية الدارسين والمنظرين للترجمة …
6 / أما المحور السادس فهو محور المتابعات وجاء مكللاً بدراستين قيمتين الأولى جاءت تحت عنوان : ( دراسات التابع المنطلقات والإشكاليات ) للباحثة الدكتورة مديحة عتيق من جامعة سوق أهراس / الجزائر .. أنطلقت الباحثة في دراستها هذه من منطلق إشكاليات مصطلح التابع مؤكدة في ذلك : أن هذا الحقل يمثل فرعاً معرفياً هاماً ضمن دائرة الدراسات ما بعد الكولنيالية ، وقد ظهرت بوادره الأولى منذ سبعينات القرن العشرين على يد ثلة من النقاد ما بعد الكولنياليين خاصة ذوي الأصول الهندية المتواجدين في بريطانيا على وجه خاص .. مؤكدة في ذلك أن دراستها هذه هي محاولة الأحاطة بهذا الحقل وذلك من خلال الوقوف على أشتقاقاته اللغوية ، وأصوله المعرفية ، وامتداداته التاريخية ، كما تحاول أضاءة مجالات أهتمامه . وأهم مبادئه وأعلامه وموقعه ضمن دراسات ما بعد الكولنيالية ، وأهم الأنتقادات التي وجهت لهذا الحقل ، وكيف ردّ رواده على تلك الأنتقادات …
بينما جاءت الدراسة الثانية ضمن محور المتابعات تحت عنوان 🙁 ليندا هتشيون : فلسفة ما بعد الحداثة ) للباحثة الأكاديمية المترجمة الأستاذة ( أماني أبو رحمة ) … لقد جاءت الباحثة في معرض حديثها قائلة : ان ليندا هتشيون هي واحدة من أهم وأشهر المنظرات في حقول ما بعد الحداثة والنسوية والعلاقات المتشابكة بين المجالين . قدمت هتشيون نظريات رائقة وبليغة حول موضوعات غامضة مثل الباروديا ( السخرية أو التهكم الساخر ) والمفارقة والجماليات . ولم تتوقف أسهاماتها عند التحليل والتنظير ، ولكنها أضافت إلى كل عمل من أعمالها مداخلاتها الخاصة النابعة من خلفيتها في الأدب وأهتمامها بالفن والعمارة وفهمها للفلسفة المعاصرة . ومع هذه الخلفية المتنوعة ، نجد من الصعوبة بمكان تحديد عملها أو تصنيفه تحت عنوان واحد ، فهي بالنسبة للبعض منظرة ثقافية ولآخرين ناقدة أدبية ، وقد يعتبرها طرف ثالث نسوية ، أو حتى ناقدة فنية ، في حين أنها على الصعيد الأكاديمي تعدُّ مختصة بالأدب الكندي ، ولكن هتشيون بالنسبة للكثيرين تعتبر فيلسوفة من طراز خاص وهذا لا يمنع بالتأكيد أن تكون كل ذلك في وقت واحد ، والأهم أنه لا خلاف على أنَّ كتاباتها فاتنة وديناميكية وفوق ذلك كله مثمرة وغزيرة الإنتاج والتأثير …
7 / أما المحور السابع فهو محور حوار العدد : وقد أختارت هيئة تحرير مجلة الرقيم أن يكون شخصية العدد الدكتور والباحث الأكاديمي والناقد العربي الأستاذ عبد الله أبراهيم ، يحاوره الأستاذ يحيى القيسي … وفي هذا الحوار المهم والثقيل بطروحاته الفكرية والفلسفية وبالرؤى الثاقبة للناقد عبد الله إبراهيم الذي يؤكد : أنَّ النقد العربي في مرحلته الحالية يعيش أزمة حقيقية ، وأنَّ آليات قراءته للنصوص الإبداعية العربية غير دقيقة وتسهم بشكل أو بآخر في تشويه النصوص فنياً ودلالياً . وتتعسف في تطبيق أدواتها عليها ويذهب في حديثه ؛ أنَّ التوتر بين العلاقات الثقافية في العالم يحتاج إلى نقد وتحليل ثقافي .. والناقد عبد الله أبراهيم يشتغل بدأب لا نظير له في حفريات معرفية للمركزية الغربية ونقدها ، والمركزية الإسلامية ، والسردية العربية وتشكيلاتها الفنية والتاريخية ، هذا وقد أصدر كتباً عدة في هذين المجالين مستفيداً من كشوفات المناهج الحديثة في مجال العلوم الإنسانية ، أضافة إلى جهوده النقدية التطبيقية المستمرة في دراسة الرواية العربية …
8 / أما المحور الثامن فهو محور نصوص وقد جاء مكللاً بقصة قصيرة بعنوان ( إلى صديقي الذي ) للقاص المبدع يعرب السالم …وقصة قصيرة تحت عنوان ( متى يغادرني وجعي ) للقاص أحمد المؤذن … وقصيدة نثر واحدة للشاعر كفاح وتوت جاءت تحت عنوان ( عتمة مضيئة .. ضوء معتم ) …
9 / أما المحور التاسع فهو محور رؤى جاء مكللاً بدراسة واحدة تحت عنوان : ( شمس القصيد تصهر ثلج الحرف الجديد / قراءة نقدية في قصائد نافرة للشاعر العراقي علي مولود الطالبي ) للباحثة الأكاديمية الأستاذة : فاطمة نصير ( وهي أستاذة جامعية من الجزائر ) …
10 / أما المحور العاشر فهو محور تجارب جاء مكللاً بتجربة القاص العراقي ناطق خلوصي تحت عنوان ( رفقة حميمة مع الكلمة ) … يليه تجربة القاص العراقي الكبير الأستاذ عبد عون الروضان تحت عنوان (سيرة ذاتية ) … ويليه تجربة القاص العراقي المبدع الأستاذ زيد الشهيد جاءت تحت عنوان ( التجربة .. سنوات الأحتراق ) ….
11 / أما المحور الحادي عشر فهو المحور الفني وقد جاء مكللاً بدراستين قيمتين الأولى تحت عنوان : (الإثراء الدلالي في الخطاب المسرحي بين مدونة المكتوب وفضاء العرض ) للباحث الدكتور حسين الأنصاري ….. وقد جاءت الدراسة الثانية تحت عنوان : ( شعرية اللغة السينمائية لدى المخرج الياباني ياسوجيرو أوزو فيلم – نهاية الصيف – أنموذجاً ) للباحث فؤاد زويريق …
وخلاصة القول : هذه المحاور لا يمكن لها أنْ تكون ذات قيمة من دون أن يلمس القارئ الفرق الشاسع بينها وبين القوالب الجاهزة في تسطيح ( النقد الأنطباعي الصحفي تحديداً ) الأفتعالي ناهيك عن شلليته ومجانيته وأخوانياته الذي لا يميز بين النسق والسياق وبين النص والخطاب .. هيئة تحرير المجلة وهي تحتفل بصدور عددها الرابع هذا ، تؤكد للمتلقي في محاورها الإحدى عشر محورا على التقنيات والأبعاد الفنية والجمالية والمعرفية وهذا يتطلب صمود هذه المحاور أمام الموجة التي نراها شائعة ومتهافتة على صفحات الجرائد ..