17 نوفمبر، 2024 3:45 م
Search
Close this search box.

العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح المغربيين.. سؤال العلاقة..؟

العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح المغربيين.. سؤال العلاقة..؟

تحمل العلاقة التي تجمع بين حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، الكثير من الغموض والالتباس، وذلك لعدة أسباب منها التداخل الحاصل بينهما على مستوى المهام والأهداف على الرغم من أن أحدهما، كما تبين القوانين التنظيمية، يسير في الاتجاه الدعوي والآخر يأخذ منحى سياسيا، والتداخل أيضا الحاصل على مستوى الأعضاء، إذ أن أعضاء الحركة هم أنفسهم أعضاء الحزب مع فارق بسيط وهو أن عضو الحركة يتحول في الحزب إلى عضو غير عادي بهدف تهميش الأعضاء العاديين، فماهي حقيقة التقارب بين الهيئتين؟ وكيف تحدد العلاقة بينهما؟ ومن المسؤول عن هذا الخلط السياسي؟
لم تعد علاقة حركة التوحيد والإصلاح بحزب العدالة والتنمية شأنا يهم أعضاءهما فقط، بقدر ما أصبحت تعني العديد من الجهات، خاصة وأن الهيئتين معا تشتغلان على المرجعية الدينية بشكل أثار الكثير من علامات التعجب والاستفهام سواء لدى المسؤولين أو لدى عموم المواطنين، وإذا كان رفاق الـ”بنكيران” يعتمدون هذه الازدواجية في الممارسة والخطاب من أجل إبراء ذمة حركة التوحيد والإصلاح من تهمة الخلط بين ما هو ديني وما هو سياسي أو توظيف الدين لأغراض سياسوية، فإن العديد من المتتبعين يرون أن هذا الإبراء لا يعفي الحركة من تهمة استغلال الدين والمزج بين الديني والسياسي، على اعتبار أن العديد من قيادات الحزب هم في نفس الوقت قيادات في الحركة.

مجرد ديكور
والناظر في طبيعة العلاقة التي تجمع بين حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح المغربيين يضطر إلى الوقوف طويلا لمعرفة على الأقل من المسؤول عن فبركة هذا الخلط، على اعتبار أن الصورة التي تقدمها سواء هذه الهيئة أو تلك لا يمكن أن تكون من صنع جهات عادية، بل من جهات مسؤولة خططت ودبرت سلفا لهذه العلاقة.
ولذلك، تجد داخل كل من حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح من لا يفهم حقيقة هذه العلاقة، وكل ما يعرفه هو أن الحزب هو الحركة والحركة هي الحزب، وأن الفرق بينهما هو أن الحزب يؤدي إلى البرلمان وباقي مؤسسات الدولة، بينما الحركة لا تقود إلى ذلك وأن كل ما يمكن أن تقوم به لفائدة أعضائها المقربين هو الظفر بزيارة إلى الديار السعودية.
ولهذه الأسباب فرت كل الرؤوس الكبيرة إلى الحزب وأحكمت سيطرتها عليه، لتبقى الحركة خاوية على عروشها بعد أن تقرر منذ تأسيسها على أن تكون هي المعتمد والأساس، فيما تظل باقي القطاعات الأخرى بما فيها حزب العدالة والتنمية مجرد واجهة من واجهات العمل، لكن شيئا من ذلك لم يكن، وكل ما حدث هو أن الحركة تحولت إلى مجرد ديكور يؤثث به بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية حزبه ويتحجج من خلاله في الداخل والخارج، كلما أتيحت له الفرصة لذلك، للقول بأنه رجل حركة إسلامية جاء ليدعو الناس إلى الدين، بينما أن الذي يقوم به هو غير ذلك إطلاقا، بحيث يغلف الدين بالسياسة ويوظف هذا في ذاك بهدف الوصول إلى تحقيق نزواته وتلبية رغباته الخاصة.

علاقة ملتبسة
يشبه محمد الحمداوي، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، علاقة الحزب بالحركة، بعلاقات الشراكة الاستراتيجية التي تربط بين الحركات الاجتماعية في الغرب والأحزاب السياسية المتناغمة مع مواقفها، وهو بذلك يكرس العبارة المشار إليها أعلاه، ويؤكد بأنه هو الآخر لم يصل بعد إلى بلورة طبيعة العلاقة التي تجمع بين الطرفين، والدليل على ذلك أنه في تصريحاته الصحفية تارة يؤكد هذه العلاقة وتارة أخرى ينفيها، ومن ذلك قوله “إنه لا توجد أية علاقة بين الحركة التي يترأسها، وحزب العدالة والتنمية المعروف في الأوساط السياسية الوطنية كونه الذراع السياسي للحركة”، وبذلك يضع الحمداوي نفسه في حرج كبير خاصة وأن الدارس والمتتبع لقضايا وشؤون الحركة والحزب سيخرج بخلاصة واحدة وهي أن حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية وجهان لعملة واحدة، وقوله أيضا “إن العلاقة بين الحركة والحزب هي علاقة شراكة بين مؤسستين مستقلتين، شراكة إستراتيجية في المشروع بين حركة دعوية تربوية وحزب سياسي، فهناك وصل في المرجعية الجامعة لكن هناك فصل في الإطار التنظيمي”، وللتوضيح أكثر يحيل الحمداوي إلى مقاربة أوربية تشبهها ومثل لذلك بقضية البيئة فهناك “مشروع واحد أو هدف واحد هو حماية البيئة تقوم على تحقيقه جمعيات المجتمع المدني وتتبناه أحزاب وتخصص له وزارات.. والكل يهدف إلى حماية البيئة.. وهو ما يمكن أن نقرب به المشروع المشترك الذي يجمع الحركة والحزب وهو الإسهام في إقامة الدين”.
إن الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، الذي حوله بنكيران إلى نائب برلماني عن حزب المصباح، ومن خلال تصريحاته، إنما يريد تغليط الرأي العام الوطني عن طريق الإفصاح عن علاقة جديدة بين الحزب والحركة ليست هي تلك العلاقة التي يعرفها الجميع، وهي مناورة جديدة تؤكد أن الحمداوي يخلط الدين بالسياسة ويموه على المواطنين، وعمادنا في ذلك أن جريدة الحركة “التجديد” المنتهية صلاحيتها غالبا ما كانت تمرر رسائل سياسية على لسان أعضاء ينتمون إلى الأمانة العامة للحزب ومنهم الـ”بنكيران” نفسه.

الدعوي والسياسي
توظيف الدين في السياسة والعكس صحيح إذن، ممارسة باتت اعتيادية داخل كل من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية المغربيين، ذلك أنه ورغم أن الفصيلين المتوحدين (رابطة المستقبل الإسلامي والإصلاح والتجديد) سيختلفان في التعاطي مع قضية الدعوي والسياسي، وموقع الحزب من الحركة في المشروع الوحدوي، إلا أنهما سيتفقان على تأجيل النظر في هذه القضية لحين خوض الانتخابات النيابية لسنة 1997، وفي السنة الموالية، ستتجه الحركة إلى السعي لبلورة تصور واضح في العلاقة مع الحزب، خاصة بعد النجاح في المشاركات الانتخابية، وهنا سيظهر بقوة اتجاه واضح عند قياديي الحركة مفاده اعتبار أن الوظائف الأساسية للحركة هي “الدعوة والتربية والتكوين”، وأن الحزب هو تنظيم سياسي لا أقل ولا أكثر
وقد كان لتفجيرات الدارالبيضاء الإرهابية في 16 ماي/أيار 2003 الوقع السيئ على مستقبل كل من الحركة والحزب، بعدما تأكدت مسؤوليتهما المعنوية في ذلك، وهو الشيء الذي عجل بضرورة معالجة هذه القضية وإيجاد حل لها في أقرب الآجال.
وتعبر عن هذه الإستراتيجية ورقة “المشاركة السياسية والعلاقة بين الحركة والحزب” فكريا ونظريا، وهي وثيقة غير منشورة وغير متداولة ظهرت سنة 2006 وخضعت لنقاش طويل داخل الهياكل التنظيمية للحركة منذ 2003.
ومما جاء في هذه الورقة، أن الحركة على مستوى الفكرة تنطلق من شمول الإسلام، ومن ثم فقد كانت لها أهداف شمولية منها، الإسهام في إقامة الدين في الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة وصولا إلى الإسهام في الحضارة الإنسانية الشاملة.. وشمولية الأهداف انعكست على شمولية مجالات عملها أيضا فهناك دعوة فردية ودعوة عامة وعمل سياسي وآخر اجتماعي واقتصادي ونقابي وثقافي وفكري.. مجالات تتعدد وتتسع باتساع الإسلام نفسه.
واضح إذن أن “الفصل بين الدعوي والسياسي” مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي لم تنضج بعد مقوماته وشروطه رغم كونه إجراء تنظيميا لا يمس قناعات الحزب وأولوياته التي هي أولويات الحركة نفسها، ومربض الفرس في ذلك انخراط الحزب في أكثر من مناسبة في معارك دينية وهمية، مثل ما وقع في كل من فاس ومكناس حول الخمور، وأيضا الفتوى الأخيرة التي قدمها الريسوني حول تحريم التسوق من بعض الأسواق الممتازة بدعوى بيعها العلني للمنتجات الكحولية.

أحدث المقالات