18 ديسمبر، 2024 6:06 م

العدالة….بين مفهوم الدولة والمواطنة

العدالة….بين مفهوم الدولة والمواطنة

ان الارتهان للقانون والعدالة، هو رفض لاستحواذ المسؤولين على السلطة والقرار لوحدهم ولا ينفصل عن فكرة الحقوق وازالة الحواجز ، بل بالمشاركة الجماهيرية في اصدارها وخاصة الحيوية منها واختيار المشاريع التي تهم البلد وتشجع الامكانيات الداخلية المتفكرة والمدبرة والميسرة ليكون الشأن عمومي في المسؤولية الفاعلة ومن ذوي الاختصاص ويكرس اسس المواطنة الحقة على مستوى الحقوق والواجبات، وتتسم علاقة العدالة كمؤسسة، بالسياسة كممارسة، بالصراع ونزوع نحو الهيمنة. وهو تأثير ناتج، بالأساس، عن ارتباك وغموض عند المختصين، لترامي “جبروت السلطة العمومية “على “قداسة العدالة وأولوية القانون”، من جهة ثانية. وتتحول هذه العلاقة ، خاصة في الأنظمة التحكمية واللاديموقراطية، الى علاقة الحاق و تبعية، تشتغل من خلالها المؤسسة القضائية بتوجيهات و إملاءات السلطة السياسية ، كما ترتبط فكرة الحقوق والحريات تاريخيا بالدولة القانونية التي تلتزم سلطاتها المختلفة باتباع قواعد قانونية عامة و مجردة وبالتالي، لا يمكن تصور حماية للحقوق والحريات إلا في ظل دولة القانون و ثمة علاقة عميقة تربط بين مفهوم المواطنة ومفهوم العدالة السياسية في السلطة والمجتمع. إذ إن المواطنة تأخذ أبعادها الحقيقية في الفضاء الاجتماعي، حينما تتحقق العدالة السياسية وتزول عوامل التمييز والإقصاء والتهميش، وتتحقق العدالة بتعميق مفهوم المواطنة في نفوس وعقول أبناء المجتمع. أما إذا غابت العدالة السياسية، وساد الاستبداد السياسي، وبرزت مظاهر الإقصاء والتهميش، فإن مقولة المواطنة هنا تكون في جوهرها تمويهاً لهذا الواقع وخداعاً لأبناء الوطن والمجتمع ويجب ان يكون مبدأ العدالة هو الهدف الأسمى الذي تسعى العقولة السياسية إلى تحقيقه، كما يمثل الهدف الثابت والقيمة العليا للنظام السياسي وعكس ذاك لم يعد للحكومة والدولة مصداقية في وجودها وقال سبحانه وتعالى في كتابه : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 90) ، ومن الوصايا السياسية المهمة التي تناولت العدل كركن مهم في إدارة الشؤون العامة للبلد ما روي من وصيّة علي (ع) لعمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليه إذ قال له علي (ع): ثلاث إن حفظتهن وعملت بهنَّ كفتك ما سواهن وإن تركتهن لم ينفعك شيء سواهن ، إقامة الحدود على القريب والبعيد، والحكم بكتاب الله في الرضا والسخط، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود، فهذه الأسس التي بيّنها امير المؤمنين علي (ع) تُعدّ في كافّة الأزمنة دعامة السلطة السياسية، وبها يتقوّم كيان الدولة. فالعدل وسيادة القانون ضمانة قوية ووثيقة أمان للحاكم والمحكوم في استمرار الحياة السياسية وتكاملها.

ينبغي من الدول المختلفة أن تصمم وتعدّ خطط عمل وطنية تعزز التنوع والمساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص ومشاركة الجميع. وينبغي أن تهدف هذه الخطط إلى تهيئة الظروف للجميع من أجل المشاركة الفعالة في صنع القرار وإعمال الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية في جميع مجالات الحياة على أساس عدم التمييز، وذلك باتباع وسائل شتى من بينها الإجراءات والاستراتيجيات التصحيحية أو الإيجابية.

العدالة في أبسط مفاهيمها تعني العدل في إصدار الأحكام وعدم المحاباة والتحيّز لشيء معيّن. وكلمة عدالة اصطلاح ساد في الفقه السياسي في مختلف مراحله، وهي بمعنى وظيفي ومعنى نظامي: أوّلاً: فالعدالة النظامية تلك المجموعة من القواعد والنصوص التي تحكم النظام القضائي بحيث يكون أداة لتمكين مرفق العدالة. ثانياً: العدالة الوظيفية: بمعنى أنّ العدالة تصير إحدى الأهداف أو المهام التي تسعى الجماعة السياسية إلى تحقيقها، وبحيث تمثل هدفاً ثابتاً للنظام السياسي. فالعدالة: كوظيفة، أو بمعنى أدقّ كهدف وقيمة، يجب أن يسعى إلى تحقيق نظام سياسي، تمثّل الجوانب المختلفة للعدالة كمبدأ سياسي فيه كحقيقة حضارية، لأنّها تعبر عن حضارة معيّنة، وقد تعبّر عن ذاتية فردية، كما أنّها بحكم طبيعتها تفترض الحياد، وهي في أبسط معانيها تعني إعطاء كل ذي حقّ حقّه.

لا شك إن وجود مبادئ أساسية يقوم عليها اي نظام سياسي معاصر لأي دولة لتشكل ضمانة حقيقية لحماية الحقوق والحريات وفي مقدمة هذه المباديء مبدا سيادة القانون واستقلال القضاء. ولكن النصوص الدستورية في كثير من الاحيان لا تفي بالغرض المطلوب علي هذه المبادئ في حماية الحقوق والحريات ولذا لا بد من مرتكزات تقوم عليها هذه المبادئ وهو ما يتم تنظيمه من قبل المشرعين الذين همهم العدالة باعتماد تدابير فعالة ومناسبة لضمان المساواة أمام القانون، خاصة فيما يتعلق بالتمتع بحق المساواة وجميع الأديان متفقة علي أن نهاية هذه المسيرة التاريخية العظيمة سوف تكون لها نهاية مفعمة بالأمل في حال تحقق هذه العدالة وخلق زمن استقرار و تكريس المفهوم بشكل كامل. جاء في الدعاء بعد زيارة آل ياسين الشريفة: «يملأ الله به الأرض قسطاً و عدلاً – أو عدلاً و قسطاً، و التعبير مختلف في مواضع عدة – كما ملئت ظلماً و جوراً ،والعدالة يجب أن تتحول إلي خطاب نخبوي و يجب أن تتابع هذه المسألة و لا تترك بدون حلول فالأرضية واسعة و الحاجة شديدة، في جميع جوانب هذه الحاجة وتكون ملموسة وحصيلة قيّمة و الحاجة إليها شديدة ماسّة. ومن اللازم بعد ذلك الاستفادة من الخبراء في العالم ومن البلدان الأخري خبرةً ليمدّوا يد العون للوصول به إلي غايته.

ويجب ان يكون مبدأ العدالة هو الهدف الأسمى الذي تسعى االعقولة السياسية إلى تحقيقه، كما يمثل الهدف الثابت والقيمة العليا للنظام السياسي، فهذه الأسس التي بيّنها علي (ع) تُعدّ في كافّة الأزمنة دعامة السلطة السياسية، وبها يتقوّم كيان الدولة. فالعدل وسيادة القانون ضمانة قوية ووثيقة أمان للحاكم والمحكوم في استمرار الحياة السياسية وتكاملها،

العدالة مبدأ اساسي من مبادئ التعايش داخل الامم وفيما بينها والذي يتحقق في ظل دولة تحترم دستورها وقوانينها وتوفير الحياة الكريمة لكافة المواطنيين وتعمل على تحقيق المساواة وتوفير الحاجات الضرورية وازالة الحواجز بسبب الدين والمذهب والجنس والعرق والانتماء الثقافي للنهوض بالعدالة وما يضمن الالتزام والوفاء بها و يدعو جون رولس بـ”نظرية العقد”. وتكمن الجوانب الإيجابية لمصطلح العقد في أن مبادئ العدالة يمكن تحقيقها، مثل تلك المبادئ التي يختارها أشخاص راشدون، عاقلون، وعلى هذه الطريقة يمكن شرحها وتبريرها بتصور العدالة .

إن المجتمع الذي يلبي مبادئ العدالة باعتبارها نزاهة، يقترب من المثل الأعلى للمجتمع، القائم على مخطط طوعي، بالدرجة الممكنة، لأنه قائم على المبادئ التي يجب أن يأخذ بها أشخاص أحرار ومتساوون في ظروف ومواقف عادلة ، وبهذا المعنى فإن أفراد المجتمع يتمتعون بإدارة ذاتية، ويأخذون بواجباتهم التي يدركونها بصورة طوعية.