تساءل كثيرون وانا منهم عن “السرعة” التي تمت فيها عملية اجتثاث قاضي القضاة الاستاذ مدحت المحمود من قبل هيئة المساءلة والعدالة و”السرعة” التي تمت فيها عملية تقديم الطعن من قبله الى الهيئة التمييزية و”السرعة” التي نقضت فيها التمييزية قرار الاجتثاث و”السرعة” التي تمت فيها اعادته الى موقعه كرئيس للمحكمة الاتحادية العليا و”السرعة” التي تمت فيها تسمية السيد باسم البدري رئيسا بالتكليف لهيئة المساءلة مقابل “السرعة” في انهاء تكليف السيد فلاح شنشل و”السرعة” في قيام الهيئة التي يراسها باجتثاثه من الرئاسة والاهم ان هذه “السرع” كلها تمت في غضون 24 ساعة.
ماشاء الله على هذه القرارات الثورية في بلد يفترض انه ديمقراطي وبرلماني وتعددي وتظاهري ـ لاننا يجب ان نضيف من الان فصاعدا تسمية اخرى لعراقنا الجديد حيث تستمر فيه التظاهرات لشهرين حتى الان ـ يفترض ان تكون هناك عملية فصل بالسلطات. وان كل سلطة متخصصة في جانب لاتتعداه حتى لاتزحف طبقا للدستور والقوانين النافذة على سلطة او صلاحيات غيرها.
اذا طبقنا نظرية السرعة الحكومية هذه على التظاهرات فاننا نصاب بالاحباط حتما. اقول ذلك لان المفاهيم التي تدار بموجبها الامور في بلدنا يطلق عليها مفاهيم العدالة الانتقالية التي تحولت الى انتقائية مرة وانتقامية في كل المرات. فمن حق الناس ان تتساءل لماذا يتم التعامل مع قضية المحمود في غضون 24 ساعة بينما تجتمع الخماسية مرة والسباعية مرة اخرى ولجنة الحكماء تارة واختها المبادرة العشائرية تارة ثالثة لتزف لنا في كل مرة البشرى نفسها. تحويل النساء المعتقلات الى محافظاتهن واطلاق سراح وجبة من المعتقلين او تمشية كذا معاملة خاصة بالاجتثاث او الغاء المخبر السري.
انا شخصيا صار لي شهر ونصف اسمع من اللجنة الخماسية حين تجتمع في منزل الدكتور ابراهيم الجعفري مرة او مكتب الدكتور صالح المطلك مرة اخرى انها بحثت القضايا العالقة والقوانين الخاصة بالمرحلة الانتقالية والابرز فيها المساءلة والعدالة والعفو العام والمادة 4 ارهاب دون ان يكون تقدم حقيقي على ارض الواقع. والسبب في ذلك ان الحكومة لديها عذر شرعي وهي ان هذه القوانين من اختصاص البرلمان. علما ان هذا العذر الشرعي لم يشتغل في قضية المحمود وشنشل والدليل ان الجدل قائم بين الحكومة والبرلمان بشان عائدية الهيئات المستقلة ومنها المساءلة والعدالة.
ولو دافعت الحكومة والبرلمان عن الاجراءات التي يجب اتخاذها لصالح الناس وفي المقدمة منهم المتظاهرون الذين تحولوا من وجهة النظر الرسمية في الغالب الى اصحاب اجندات خارجية او شعارات طائفية او مندسين .. اقول لو دافعت عما تعتقده حقا لها مثلما تدافع عما هو حق للرعية لانتهت التظاهرات في عمقها الحقيقي في غضون 24 ساعة .. ولم يبق في ساحات الاعتصام سوى .. المندسين.