14 ديسمبر، 2024 1:40 م

العثمنة والعراق العباسي والامويون الجدد في سورية

العثمنة والعراق العباسي والامويون الجدد في سورية

في علم الادارة السياسية وفي منهجية  ادارة النظم ، تعتبر لعبة الحرب واثارة الازمات الامنية ، واحدة من ابرز الخيارات حينما تواجه الدول والنظم السياسية ازمة داخلية سياسية ام اقتصادية او امنية .
ويبدو ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قد اتخذ قراره بالزحف جنوبا بغية الامساك بالملفات اللتي سوف تستحدثها الحرب في سورية .
ويحتفظ الرئيس اردوغان بنقمة وغيض شديدين تجاه الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب الذي عاقب تركيا عام 2017 بفرض سلسلة عقوبات ضدها وقد تسببت بالازمة الاقتصادية الخانقة التي بلغت ذروتها  بانهيار قيمة العملة .
ويسعى اردوغان الى استباق تولي ترامب العرش في البيت الابيض ليكون بوابة الحلول امام البيت الابيض حيال الازمات الكبيرة التي ستسفر عن اسقاط النظام السياسي في دمشق .
ويستغل الرئيس التركي ضعف القرار العربي وانشغال ايران بالاوضاع الصعبة التي نجمت عن حربي لبنان وغزة ، وذلك لتحقيق مأرب تركيا واطماعها في حلب حيث يدفن فيها عدد من سلاطين ال عثمان الذين كانوا يعتقدون ان حلب هي ( عمود الدين ) حسب فتاوى ابن تيمية .
ويعرف  عن الرئيس اردوغان اجادته فن  اصطياد الازمات واظهر قدرات متميزة في ادارتها ، فهو ( وعلى عكس العقل العربي ) قارئ جيد لاستراتيجيات الولايات المتحدة واحتياجات المصالح الغربية بشكل عام ، وخاصة في المحيط الجغرافي للجمهورية التركية  والشرق الاوسط .
وسبق للرئيس اردوغان ان تناغم مع تصور طرحته ادارة اوباما عام 2014 حينما اقترحت هيلاري كلينتون إقامة ( الدولة العربية الاسلامية ) على حدود تمتد من شرق مدينة الموصل مرورا بالجزيرة والبادية السورية والى حدود الريف الشرقي  للعاصمة دمشق .
هذا التصور الاميركي انطلق من فكرة تغيير خريطة المشرق العربي على اساس اثني وطائفي بان تضم الدولة ( الاموية الجديدة ) اغلب السكان العرب السنة في كل من سورية والعراق على ان يقسم ( تاليا ) ماتبقى من العراق وسورية وفق اسس عرقية .
وليس مستبعدا ان الاحداث الجارية  هي بداية تشكيل الكيان العربي الجديد اذا اقتنع الرئيس ترامب بالفكرة ، وهذا محتمل اذ ما تحرك الرئيس التركي والقيادات الاسرائيلية لاقناعه بان من شان هذا المتغير ايدعم مشروع السلام الشامل باضافة كل من سورية ولبنان والعراق لاحقا الى محور التطبيع وبذلك سيقدم اردغان اكبر خدمة للمشروع العقائدي للحركة الصهيونية  الذي حدد اسس بقاء اسرائيل بانه مرهون بتطبيع جميع دول الطوق .
لكن ..هل ستجري الرياح بما تشتهي سفن الاتراك ؟
 اعتقد ان مخطط الرئيس التركي دونه عقبات كثيرة ،قد تؤدي الى احباطه او تأخيره لسنوات .
– صحيح ان زمام المبادرة بيد تركيا وانها وضعت ابومحمد الجولاني ( احمد الشرع ) على رأس قيادة التحرك ، غير ان الجولاني ليس محور اجماع اغلب الفصائل المسلحة والجماعات  العقائدية التي تنضوي تحت هذا التحرك .
فالمرجح وفي حال استيلاء المسلحين على دمشق ، ان تبدأ حروب  دينية ربما ستستمر لسنوات قبل ان يخرج منها الفصيل الفائز لينفرد بالسلطة بعد ان خاض بحورا من الدم .
– صحيح ان اردوغان جند غالبية الفصائل المسلحة تحت العنوان المذهبي ( المقدس ) غير ان هناك شركاء قوميين وفي مقدمتهم الاكراد السوريين وداعميهم من الخارج ، هؤلاء يطمحون الى نموذج في الادارة والاستقلال لا يقل عن النموذج الحالي القائم في شمال العراق ، فهم سيستميتون في  فرض سيطرتهم على شرق وشمال شرق سورية ويعتبرونها مناطق نفوذ قومي وان الفرصة اليوم مواتية لاستقلالهم ولن تتكرر ولو بعد مئة عام .
– العامل الروسي ، وإن اظهر بعض الخذلان حتى الان إلا انه سوف لن يفرط ببقايا مصالحه ونفوذه على الساحل السوري ، واقل ما سيقدم عليه الروس هو اقامة  محمية لأبناء الطائفة العلوية في محافظات اللاذقية وطرطوس وبانياس ، وهو توجه  بدا الروس العمل عليه بدعم مباشر من قبل فرنسا والمانيا .
– الدروز في اقصى جنوب سورية ، يتمركزون في غالبيتهم بمحافظة السويداء ، وهؤلاء جزء من حلم فرنسي باقامة كيان مستقل لهم يمتد افقيا من شمال الاردن  وشمال الجولان والى جنوب شرق لبنان ، ويعيش كل درزي هذا الحلم  وذلك تحت تأثير ذاكرة مليئة بالاوجاع والمحن التي شهدوها تحت حكم الاحتلال العثماني.  واليوم من المستحيلات ان يتعايش الدروز  تحت حكم الجماعات الدينية المتطرفة  وتحت المظلة التركية واللتي تنظر اليهم على انهم مشركين .. ولذلك لايستبعد ان فكرة الكيان الدرزي ستكون محور مفاوضات اسرائيلية تركية في وقت لاحق  أعتمادا على نجاح العلاقة بين اسرائيل ودروز الجولان الذين اظهر جزء منهم ولاءا اصيلا للكيان الاسرائيلي .
°° العراق  العباسي والامويون الجدد
مع احتمال سيطرة الجماعات الارهابية(  حسب تصنيف اميركي واممي )  على سورية وربما انقسام هذا البلد الى اربع كيانات .. مالذي يتوجب على العراق فعله ؟ بداية ، من حيث الارادة ، فان العراق يعاني من ضعف في اتخاذ القرارات السياسية وذلك بسبب تعدد مراكز القوى وتنوع الممكنات المضادة الداخلية  للنظام السياسي الهش اصلا بحكم عدم اكتمال اسس القوة لدى النظام ،بما يعني ضعف ركن من اركان الدولة العراقية وهو وجود نظام سياسي قوي ورصين  .
ولكن من حيث الفعل والقدرة  وفائض القوة لديه ، بمقدور العراق ان يجهض المخطط التركي حينما يقرر العراق الذهاب الى اقصى حدود المواجهة ، وهذا ممكن اذا توفرت الشروط واستكملت المستلزمات الوطنية في توحيد القرار والارادة الوطنية .
فالعراق هو ولبنان سيكونان الهدف التالي ، وقد صرح اكثر من مسؤول عربي ومطلع سياسي بان المشروع الحالي في سورية هو الخطوة الاولى لانهاء وتصفية النفوذ الايراني في سورية ثم لبنان ويليه العراق .
بمعنى اوضح واكثر عملانية هو ان الرئيس التركي متعهد بهذه المهمة امام الاسرائيليين  كبديل عن شن اسرائيل مزيدا من الحروب في المنطقة بهدف القضاء على القدرة الايرانية و القوى المؤيدة لايران والمناهضة لفكرة ( شرق اوسط اسرائيلي جديد ) .
لكي يستبق التطورات وبغية تفادي انتقال الحرب الى الداخل العراقي ومن اجل حفظ مصالحه وامنه القومي… بامكان العراق ان يمارس ذات اللعبة التي يلعبها الاتراك في سورية  عبر ثلاثة سيناريوهات :
– ان تجتاح قواته الاراضي السورية  وصولا الى الحسكه والرقة وديرالزور  والى اقصى الجنوب الشرقي السوري ليكون هذا الحزم حائط الصد وخطا دفاعيا متقدما .
وبعد السيطرة على الارض ، سياسيا سيكون للعراق  كرسي على طاولة التفاوض الاقليمية والدولية في مرحلة لاحقة عند البحث في ترتيب اوضاع البيت السوري .
هذه الخطوة ضرورية تحسبا لتقسيمات محتمله ولاطماع تركية قد تشمل احتلال الموصل ، ولا نعلم مالذي وعد به اردوغان العراقيين الاكراد بشان  ضم الحسكة الى اقليم كردستان مقابل ضم الموصل العربية لتركيا مع اعطاء ممر امن للتواصل والاتصال بين كردستان العراقية وكردستان السورية  عبر محافظة نينوى ؟
– إذا لم تتوفر هذه الارادة بانشاء حزام آمن داخل سورية ، بامكان العراق وبالتنسيق مع العراقيين الكرد او عبر انشاء قوات بيشمركة وطنية  وذلك في سياق جهد وطني  لتقديم الدعم لقوات قسد ( قوات سوريا الديمقراطية )  لكي تصبح هذه القوات هي حائط الصد في العمق السوري .وبتقديري ان الفكرة ستكون مقبولة  لدى الاصدقاء الاميركيين الذين هم بالاصل يوفرون الحماية لقوات سورية الديمقراطية .
– الخيار الثالث هو ان يعترف العراق بالحكام المحتملين المقبلين على حكم سورية , كأن  يبادر الى اقامة مؤتمر  جامع لكل القوى والجماعات السورية وبمختلف اتجاهاتها ويعرض عليها الدعم والاعمار مقابل اقامة نظام الدولة المدنية في سورية
 والتحرك الاساسي في هذا السيناريو ينبغي ان يقوم على اساس ان العراق هو الحاضنة العربية الراسخة والثابتة  للسوريين بدلا من الحاضنة التركية المتغيرة والمتحركة وفق المصالح .
ولدى العراق اوراق اكثر قبول  واكثر واقعية من الوعود التركية ، إذ بامكانه اقناع الجماعات السورية بانه الراعي والحاضنة  العربية وذلك من خلال اظهار قدرته على تقديم الدعم المالي  وعبر طرح  مشروع اعادة اعمار سورية والتاكيد على ان السوريين شركاء في مشروع طريق التنمية العالمي والذي سيعود بالمنفعة على الجميع اذا تحقق الامن والامان في سورية لضمان أمن المشروع ولتطمين المستثمرين .
وبذلك سوف يسبق العراق بقية الاطراف  والقوى الاقليمية في ركوب موجة التغيير في سورية  وسيصبح في موقع مؤثر لتصويب بوصلة الامويين الجدد لتفادي ظهور ( يزيد ) آخر  ولكي لا يقتل ( الحسين ) مرة اخرى .