حتل العتبات المقدسة, منزلة سامية في نفوس أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام, وإن إرتباط الشيعة بهذه العتبات, نابع من عقيدة راسخة في أصل المذهب الاثني عشري.
شهدت العتبات المقدسة تغيرات جذرية بعد سقوط نظام البعث, الذي حارب المراقد بشتى أنواع الوسائل, من قصف وتهديم ومنع الزيارة أو إقامة الشعائر.
هذا الواقع الجديد, أرجع إدارة العتبات المقدسة بيد من هو أهلها, وهم المراجع العظام, وقد شُرِّعَ قانون لهذه العتبات, تحت إسم: قانون إدارة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة رقم 19 لسنة ,2005 والذي أعطى في مادته الرابعة, صلاحية تعيين الأمناء العاميين لتلك العتبات, لرئيس الوقف الشيعي, بشرط موافقة المرجع الأعلى, الذي يرجع إليه أغلب العراقيين من مراجع النجف.
تُعد المرجعية الجهة الوحيدة التي بثق بها العراقيون, وهي صمام أمان للعراق من كل خطب يحل به, وتجسدت في مرجعية السيد السيستاني دام ظله, أسمى صور الحرص على البلد بأرضه ومواطنيه, وهذه المرجعية لا تجامل ولا تهادن لأجل مصلحة شخصية, أو تنظر بأفق ضيق, لذا حينما توكل الوكلاء والمعتمدين, فهي تطبق شروط صارمة في إختيارهم, وهذه الشروط تكون أكثر تشددا في تعيين الأمناء العاميين للعتبات, لخصوصية هذه المواقع.
إحتلت عتبات كربلاء الخصوصية الأكبر, لأسباب كثيره: أهمها كثرة الزيارات المخصوصة لهذه البقعة المباركة, والتي أصبحت مألف الشيعة وغيرهم, من كل دول العالم, فعينت المرجعية ثقتيها سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي وسماحة السيد أحمد الصافي, كأمينين عامين للعتبة الحسينية والعباسية المقدسة.
نشطت هاتين العتبتين ومنذ الأيام الأولى للإدارة الجديدة, في العمل على إعمار العتبات, وجعلها بمنزلة تليق بصاحب المكان.
إنتهجت العتبة العباسية –خصوصا- منهجا حضاريا, وطريقا راقيا, لإستثمار ما تملكه من موارد بشرية ومادية, وما يؤتى لها من تبرعات, للإرتقاء بالواقع العمراني والخدمي للعتبة المقدسة, وقد حرص السيد أحمد الصافي على أن تكون هذه النهضة بأيدٍ عراقية خالصة, وكفاءات وطنية, تأخذ على عاتقها النهوض الشامل بما يقدم من خدمات للزائرين الكرام, على إختلاف مشاربهم وقومياتهم وجنسياتهم بلا تفريق بين بلد وآخر.
نشطت العتبة في كل الإتجاهات, فهي تتحرك على المستوى العقائدي, والإقتصادي, والعلمي والثقافي والأمني والطبي.
نجحت العتبة بكل هذه الإتجاهات, لتعطي صورة للمتدين الحقيقي حينما يعمل, فستكون أعماله نموذج راقي يحتذى به.
كانت مشاريعها الإستثمارية عملاقة جدا, وبنت صروح لا يمكن غض الطرف عنها, فكانت شركة خيرات ابي الفضل ومشاريعها, وكذلك مستشفى الكفيل, ومشروع الخباطة المركزية, والمشاتل والدواجن, وشركة نور الكفيل للمنتجات الغذائية, ومشاريع الزراعة العضوية والنخيل, نماذج راقية لمن يود أن يتعلم فن الإستثمار.
مشاريعها الخدمية لم تقل شأن عن تميزها في الإستثمار, فكانت مشاريع توسعة الحرم, وتسقيف الصحن الشريف, والمجاميع الصحية, والمدارس النموذجية, ومركز الكفيل داينمك للأطراف الصناعية وغيرها, نقلة نوعية في الخدمات المجانية المقدمة لأبناء الشعب العراقي.
بعد احداث الموصل, كانت العتبة العباسية من أوائل الجهات الملبية لفتوى المرجع الكبير, وكانت فرقة العباس القتالية نموذج للإنضباط, سواء على صعيد الأنتماء أم على صعيد الأداء, فتنظيميا تتبع الفرقة لوزارة الدفاع كما أمر المرجع الأعلى, وعلى مستوى الإداء فساحات المعارك تشهد, من تحرير جرف النصر إلى بلد والتاجي وقرية البشير وطوز خرماتو وسيد غريب في بلد, ولم تشهد هذه المناطق أي خرق قام به منتسبوا الفرقة.
هذه النجاحات أعطت نموذج راقي لإدارة دولة ناجحة, لمن أراد أن يتعلم, لكن وللأسف فإن لكل نجاح أعداء, لذا إنبرت بعض الأقلام المأجورة, وبعض الموتورين ممن احرجهم نجاح العتبة, للطعن في أعمالها, وبث الدعايات والإشاعات ضدها, لكن وكما يقال, واثق الخطى يمشي ملكا, فإن العتبة بمتوليها الشرعي, وأمينها العام ومجلس إدارتها ومنتسبيها, وثقوا بقدراتهم, وراهنوا على كفاءة العقل العراقي في الإبداع, وإنطلقوا في عملهم غير مبالين لتلك التخرصات, التي تطلقها أفواه الموتورين والنكرات.