23 ديسمبر، 2024 9:29 ص

العبور الى الموت: كارثة تبحث عن المسؤول؟

العبور الى الموت: كارثة تبحث عن المسؤول؟

أصبحت موت المدنيين في العراق مشهدا شبه يومي يتكرر دون معالجات فعالة تحد من نزيف الدم المستمر والانتهاكات الصارخة لتقليل تسونامي الموت، الذي تجسد بكارثة العبارة التي راح ضحيتها أكثر من 105 أشخاص غالبيتهم من النساء والأطفال، فقد خيم الحزن على مدينة الموصل التي فقدت مئة من أبنائها، رجالاً ونساء وأطفالاً، غرقوا في حادث العبارة التي انقلبت في نهر دجلة وهم في طريقهم للاحتفال بعيد نوروز وعيد الأم، فيما علت أصوات غاضبة تطالب بمحاسبة المسؤولين.
وبعد تأكيد وزارة الداخلية حصيلة القتلى المئة، ومعظمهم من النساء والأطفال، وفيما تتواصل عمليات انتشال جثث جرفها التيار القوي، تجمع عشرات من الأهالي عند ضفاف نهر دجلة تعبيراً عن غضبهم، رغم توقيف أشخاص وإعلان رئيس الوزراء عادل عبد المهدي حالة الطوارئ، وهتف الأهالي “الفساد يقتلنا”، و”لن نسكت”.
فمن المسؤول؟، حمل أحد المتظاهرين لافتة تقول “من المسؤول؟”، فيما هاجم بعض الأهالي موكب مسؤولين جاءوا لتفقد الوضع.
وقال مصدر أمني من الموصل إن الكارثة سببها زيادة الحمولة بالتزامن مع أرتفاع مناسيب مياه نهر دجلة بسبب الأمطار التي سقطت خلال الأيام الماضية، وقال ناجون إن العبارة كانت مكتظة بالركاب، ونقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورا ومشاهد كاميرات مراقبة المجمع السياحي بدت فيها العبارة تتمايل قبل ان تنقلب.
وقع الحادث الخميس عندما كانت العائلات متوجهة الى مجمع سياحي على نهر دجلة، وسط الموصل، للاحتفال بعيد الأم، وعيد نوروز أو رأس السنة الكردية الذي هو يوم إجازة رسمية في العراق.
وانقلاب العبارة هو أسوأ حادث من نوعه منذ سنوات في العراق، حيث خلفت الحروب المتلاحقة وهجمات التنظيمات المتطرفة مئات الآلاف من الضحايا.
لكن حوادث الغرق في النهر نادرة الوقوع، وآخرها عام 2013 عندما غرقت عبارة مطعم لبناني في بغداد ما أدى لمقتل خمسة أشخاص، وسبق ذلك حادث مأساوي في أب/اغسطس 2005، أوقع 965 قتيلا جراء تدافع على جسر خلال مسيرة لتأدية زيارة الى مرقد الامام الكاظم (ع) في شمال بغداد، أثر شائعة بوجود انتحاري بين الزوار، وتحمل حادثة الغرق، رغم أنها لا تقارن بأعمال العنف التي مزقت البلاد، طابعاً مؤلماً لمصادفتها مع الاحتفال بعيد نوروز الذي يمثل بداية فصل الربيع في العراق والمنطقة.
بدوره، قال السيد أحمد الصافي ممثل المرجع الشيعي الاعلى آية الله السيد علي السيستاني خلال خطبة الجمعة في كربلاء، “نطالب بالكشف عن ملابسات ما حدث ومحاسبة المسؤولين عن هذه الحادثة المأساوية”، داعياً المسؤولين إلى “الاستقالة”، وأضاف أن “هذه الحادثة المؤلمة تشير الى خلل كبير في النظام الإداري للدولة وهو عدم قيام الاجهزة الرقابية بدورها وهذا جزء من الفساد المستشري”، بعد ساعات من وقوع الحادثة، وبالتزامن مع زيادة عدد الضحايا، أصدرت السلطات القضائية أمرا باعتقال تسعة أشخاص.
من جهته أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الحداد الوطني لثلاثة ايام، وقام مثل رئيس الجمهورية برهم صالح بزيارة عاجلة لموقع الحادث حيث استمرت عمليات البحث على امتداد عشرات الكيلومترات عن جثث ضحايا التي جرفتها المياه.
وأمر عبد المهدي بفتح تحقيقٍ فوري وتسليمه النتائج خلال 24 ساعة، لإظهار الحقيقة وكشف هوية المسببين، واستقبلت مستشفيات الموصل التي تعرض أغلبها الى دمار خلال المعارك ضد الجهاديين، عدداً كبير من الناجين.
فيما تجمع الأهالي أمام مشرحة المدينة لتسلم جثث أبنائهم وأقاربهم التي لفت بأكياس بيضاء حمل بعضها أسماء الضحايا، وأغلبها أسماء نساء، وقال مسؤول في الطب الجنائي إن العمل مستمر للتعرف على هويات الضحايا، واتهم الأهالي في الموصل مستثمر الجزيرة السياحة في منطقة الغابات، بالتسبب في حادث انقلاب العَبَّارة بسبب عدم اكتراثه بالتحذيرات التي أطلقتها دائرة الموارد المائية.
عن الأسباب قال المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء سعد معن ان “اسباب الحادث واضحة بحسب التحقيقات الاولية، وتشير الى ان حمولة العبارة اكبر من طاقتها الاستيعابية”، وشاركت فرق الدفاع المدني والقوات الامنية فضلا عن متطوعين في انتشال جثث الضحايا الذين كانوا في طريقهم الى المدينة السياحية الواقعة في غابات الموصل للمشاركة في احتفالات عيد النوروز، وكان الضحايا في طريقهم لعبور نهر دجلة للتوجه الى المدينة السياحية الواقعة في غابات الموصل، احد المتنزهات للمشاركة في احتفالات عيد نوروز، أو رأس السنة الكردية وهو يوم إجازة رسمية في العراق.
بينما قال أحد الناجين مكتفيا بذكر اسمه الاول محمد لفرانس برس ان “الحادث كارثة لم نكن نتوقع حدوثها “، وتابع هذا الشاب الذي كانت ملابسه مبتلة تماما ان “العبارة كانت تحمل عددا يتجاوز طاقتها، أغلبهم نساء واطفال”، وياتي الحادث بعد يوم واحد من تنبيه وزارة الموارد المائية للمواطنين الى ضرورة الانتباه إثر فتح بوابات سد الموصل (شمال المدينة) بسبب زيادة الخزين.
ونشر ناشطون صورا ومشاهد للمأساة على مواقع التواصل الأجتماعي تظهر الضحايا يدفعهم تيار نهر دجلة بسرعة فائقة، وصورا اخرى لأطفال انتشلت جثثهم من النهر، وأظهرت الصور عددا من المتطوعين وهم يحاولون انقاذ بعض الضحايا وبينهم عدد كبير من الاطفال والنساء، ويعتبر هذا الحادث الأكثر مأساوية في العراق منذ سنوات طويلة.
وأوعز وزير الصحة والبيئة الدكتور علاء الدين العلوان باستنفار وزارة الصحة في اقليم كردستان ودوائر الصحة في محافظتي كركوك وصلاح الدين فضلا عن كوادر دائرة صحة نينوى المتواجدة حاليا في مكان الحادث.
بعد غرق عبارة في الموصل تداعيات الحزن تحولت إلى غضب شعبي، فقد قال المتظاهرون أمام الرئيس برهم صالح ومحافظ نينوى نوفل حمادي السلطان خلال زيارتهما لموقع انقلاب العبارة صباح الجمعة عقب إعلان الحداد بأنحاء البلاد ”لا للفساد… كلكم لصوص“.
ويقول المحتجون إن الإهمال من جانب مجلس المحافظة هو سبب غرق العبارة التي كانت محملة بخمسة أضعاف حمولتها وفقا لما قاله مسؤول محلي.
وبالنسبة لسكان الموصل فإن زيارة السياسيين وإعلان الحداد لأيام لا يكفيان، وقال الطالب محمد ذنون الذي شارك في الاحتجاج ”الفساد وسوء الإدارة هما السبب وراء ما حدث، هؤلاء كانوا عوائل يبحثون عن الترفيه وانتهوا إلى أن يصبحوا جثثا في النهر“، وأضاف ”نحن نرفض زيارة المسؤولين. إنهم ضعفاء وفاسدون وفشلوا في تحسين وضع الموصل منذ كابوس داعش“، وقال يونس عبدالله وهو موظف بالحكومة عمره 35 عاما ”نحتاج إلى أفعال وليس مجرد كلام. هؤلاء من تسببوا بالمأساة يحب أن يحاكموا ويتم إعدامهم“.
ويأتي العراق في المرتبة 12 بين الدول الأكثر فساداً في العالم، وفقا لمنظمة الشفافية الدولية، كما يأتي العراق في مقدمة الدول التي مزقتها الحروب وأحداث العنف على مدى عقود من الزمن، ما زاد من نسبة الحوادث الناتجة عن الإهمال وبينها مأساة العبارة التي كان بالإمكان تفادي وقوعها، وخسر العراق جراء الفساد خلال الأعوام ال 15 الماضية 194 مليار يورو، تمثل ضعف الميزانية السنوية للبلاد تقريباً، وفقا لمجلس النواب العراقي.
ويرى خبراء أن هذا الوضع المزري أدى الى نقص كبير في البنى التحتية والمشاريع الصناعية والزراعية، لكن حادثا مثل غرق العبارة يدفع للتساؤل عن أسباب وقوع حوادث مأساوية في منشآت تستقبل مدنيين وتدار من قبل القطاع الخاص.
في غضون ذلك، تعالت هتافات وصيحات لذوي الضحايا من حولها، بينها “أخرج” و “استقالة” في إشارة الى موكب محافظ نينوى الذي تعرض لهجوم من قبل بعض المتظاهرين.
من جهته يقول قصي عباس النائب في البرلمان عن محافظة نينوى، بصفته أحد المسؤولين في المحافظة، متحدثا لوسائل اعلام “لقد سبق وأشرنا الى الفساد الاداري المستشري”، وأضاف “نوجه أصابع الاتهام بالتقصير الى ادارة الجزيرة (مجمع) السياحية”، وكان القضاء أصدر أوامر اعتقال بحق أصحاب العبارة وعدد من المسؤولين عن المجمع السياحي، وتأتي هذه الخطوة، لمنع هروب مسؤولين عن الحادث كما حدث خلال السنوات الماضية، عندما وجهت ضدهم تهم فساد لكنهم فروا من البلاد قبل أن يضطروا للرد على تلك التهم، الشعب أراد الاحتفال بالنوروز فاستحال العيد كارثة!.