22 ديسمبر، 2024 10:34 م

العبور الاحكام الشرعيىة

العبور الاحكام الشرعيىة

…ذكريات أبناء الفاو……………………..
……….الشيخ عبد الحافظ البغدادي ………….
………….الحلقة الثانية عشرة ………………..
……………. العبور ……………………………..
يعد رجوعنا للبصرة عام 1989 اتصل بي المرحوم الشهيد فوزي جابر والأخ مصطفى مراد , وحسين مدينة وفائق نجم عبود , وحسين علي ملا حسين المطوري وكان هناك جماعة يترددون على البصرة عبورا من شط العرب وأم قصر , وهم تابعون للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية والدعوة , وأبديت رغبتي للانضمام إلى أي جهة تطيح بصدام وحزب البعث , التقيت بالمسؤول عن الخط في بيت المرحوم فوزي جابر , ثم تكررت اللقاءات , وتم تشكيل خلايا تسمى (خيطية) , وكان المنتسب يعطى رقما ولا نذكر اسمه الصحيح لأي كان .. ثم تطور الموضوع أن نكون قاعدة تنفيذ أي أمر يستوجب الجهاد , كنت اعتقد إنهم ملائكة , نحترمهم ونبذل لهم دماءنا وأرواحنا , ونسهل لهم أي طريقة للنيل من البعث وصدام . ويبدو ان الطمع هو سبب الانتكاسة , لان الذين يعبرون من هناك لهم امتيازات مالية , فكان الصراع على المال منذ ذلك الوقت ونحن لم نعرف .. فوقعنا ضحية بعد ان بدلوا الشخص الذي يتصل بنا , فوقع بالخطأ بيد القوات الأمنية العسكرية , واعترف على فوزي وجماعته رحمهم الله تعالى ..
وسأذكر في هذه الحلقة حقيقة صعبة جدا . إننا بقينا في البصرة مدة أسبوع بعد إلقاء القبض على مجموعة فوزي , نتخفى ولا يحوينا مكان معين , هربنا من بيوتنا , ولكن المفاجأة ان اقرب الناس لنا رفضوا ان ندخل بيوتهم , وطردونا صراحة من بابهم , لان المصيبة كبيرة .. وهنا لا بد ان نذكر موقف المرحوم حسين يوسف ابو علاء رحمه الله الذي ساعدنا بكل ما يستطيع .. وكان الوداع عند الساتر العسكري الذي كان مهجورا في منطقة الفداغية ..
في يوم 1/11/1993 عبرنا شط العرب سباحة نحو الجانب الإيراني , في برد شديد , كنا نتوقع الموت في أي لحظة وشدة البرودة والخوف من المصير المرعب لو تم ألقاء القبض علينا .. استشعرنا التعذيب الذي ينتظرنا لو وقعنا بيد قوات الأمن التي تبحث عنا , الساعة الواحدة والربع بعد منتصف الليل , اصبح الماء رقعة سوداء , يمكن لها ان تضم جسدينا ونحن نعوم في برد قارص ونرتجف من البرد والخوف ..لم يتمكن حرس الحدود أن يشاهدوا أي حركة مريبة ولا يرى إنسان يسبح نحو الشاطيْ الآخر.. قرية الفداغية في طريق الفاو هي المعبر الذي منه انطلقنا , كنا نتوقع في أي لحظة زخات رصاص من الكلاشنكوف ستنهي كل حركة ويطفو جسدنا في تيار الماء ولا احد يعرف ما حل بنا .. فكان العبور بصمت وسباحة لا تصدر صوتا ولا تحدث موجة صغيرة وكل خطأ يؤدي للموت …
هنا في الجانب العراقي تم إلقاء القبض على أصدقاءنا وتم تصفيتهم في المقابر الجماعية , الشهيد فوزي جابر مبارك وسعود عبد العزيز والمهندس عصام شهيد وآخرون عددهم ستة …كلهم نالوا الشهادة في دهاليز مديرية امن البصرة .. ولكن الله تعالى أنقذنا لنرى سقوط حقبة زمنية قل نظيرها في عالم الدكتاتورية والاضطهاد…
كان زميلي مصطفى مراد خليفة يتقدمني في السباحة ,حين وطأت قدمه الطين التفت وقال وصلنا اليابسة .. ولكن ثيابنا فقدت أثناء العبور , لأننا لم نشدها على بطوننا بصورة جيدة , لذا فقدناها .. لتبدأ بعدها أطول ليلة في العمر ,عشنا كل تفاصيل البرد واصطكاك الأسنان , فاستعنا بالخرق البالية من ملاجيْ مهجورة منذ الحرب 1988, كانت الأتربة والأطيان تغطي أجسامنا , وقتها تذكرنا أخواننا في امن البصرة وما يجري عليهم , ونقارن مكاننا , فشكرنا الله على نعمة الأمان ..بعد أن أشرقت الشمس سلمنا أنفسنا للسلطات الإيرانية لتبدأ بعدها عملية انتقال من سجن إلى سجن … أتذكر احد الضباط الإيرانيين سألني .. قال : أنت أجوبتك وكلامك لا يوحي انك صياد سمك وانقلب زورقكم ولذتم بالجرف الإيراني .. أجبته والله أنت عندك فراسة مرهفة … قال إذن من أنت..؟ قلت صياد سمك .!!!!.. قال لماذا لم تجب بصراحة على سؤالي رغم انك اعترفت لي بجزء من سؤال سابق .. قلت لشدة خوفنا على إخواننا وعوائلنا في العراق, لا يمكن أن نفصح عن أنفسنا ولنبقى في السجون أهون من تعذيب أطفالنا وبناتنا في مديرية امن البصرة .. قال الضابط ألهذا الحد تخافون من صدام .؟ قلت نعم ..ونخاف منكم أن تنقلوا حديثنا أليه .. ضرب يده على لحيته وقال أعانكم الله على مصيبتكم … وأغلق التحقيق بعبارة …. يودع السجن …