غاية الإنسان في هذا الوجود العبودية لله سبحانه وتعالى  .

وأن العبودية ليس خاصاً بالشعائر السلوكية فقط ، إنما هو معنى واسع يشمل كل ما يحبه الله  ويرضاه سواء كان متعلقاً بالشعائر المنصوص عليها في الشريعة  ، أو كل ما يحقق العدل والاستقامة والانضباط في حياة الانسان ما لم يكن مخالفاً للشريعة  .

فقد عرّف ابن تيمية العبادة بتعريف يكشف عن مقدار سعتها فقال :  العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الباطنة والظاهرة  .

فوظائف الإنسان في هذه الحياة وحيويته التي يقوم بها في دنياه وصناعاته  وتجاراته  ومكاسبه ، وكل ما يقوم به ليست دوائر منفصلة عن العبادة وإنما يمكن أن تدخل تحت منظومة العبادة  !

ولا يمكن أن نفصل بين العبودية ، وبين جوانب حياة الانسان الأخرى في هذه الحياة ، ولا يعني أننا نخرج إعمار الأرض أو مراعاة السنن الكونية من مفهوم العبادة ، أو نخرج الإهتمام بالقوة والارتقاء بحياة الإنسان من مفهوم العبودية .

وفي المقابل فهو لا يعني أنا لا ندخل الظلم وأكل أموال الناس والعبث بكرامة الإنسان  ، والتقصير في التعامل مع السنن الكونية في خوارق العبودية ونواقضها  .

وبهذا يتحقق لدى الإنسان الجمع بين الهدف الأصلي لوجوده وبين متطلبات الحياة الأخرى  .

الهدف الأول هو الخضوع لله تعالى وتحقيق العبودية له واستحضار محبته ورضاه في كل حركات الإنسان .

فالمسلم إذن يستطيع أن يعبد الله ويحقق مرضاة ربه في تفاصيل حياته ، حتى في شهوته ومعاشرته مع زوجه ، وحتى غرسه لأرضه ، وأكله من الثمار والطيبات ، وحتى سعيه في مناكب الأرض وطلبه للعيش الرغيد فيها ، كل هذه الأمور يستطيع المسلم أن يتصل فيها بربه وخالقه ، ويعبده من خلالها ويحقق الوظيفة الأولية له في هذا الوجود  .