* إقامة الأقاليم حق دستوري ولكن ليس للتعبير عن صراعات طائفية ومصالح مناطقية
* الارتجالية والتهديد وردود الأفعال الآنية لا تبني اقليماً متكاملاً ومستقراً لا يهدد الوحدة الوطنية
* الديمقراطية التوافقية المبنية على تلك المفاهيم الخاطئة عاجزة على تحقيق الأمن والاستقرار
من المؤسف ان تصل الاوضاع في العراق الى هذا التدني، تدني يهدد الوحدة الوطنية وينذر باخطار على وطننا الجريح .. فالمنافسات الجارية بين الفرقاء السياسيين، وبين بعض المحافظات وبينها وبين الحكومة المركزية خرجت تماما من دائرة المعقول الى دائرة العبث بالوطن والمواطن .. ويؤسفنا ونحن نقدم لبعض هذه النماذج المؤلمة الاعتراف بالفشل الذريع والمروع لنظامنا السياسي المبني على المحاصصة والتوافق وتقسيم غنائم الوطن المنهوب والذي سيترك بصماته على كل الازمات الخطيرة التي سيمر بها مجتمعنا العراقي .
تناول الدستور العراقي موضوع الأقاليم في المادة 119 منه والتي نصّت على (يحق لكل محافظةٍ او اكثر، تكوين اقليمٍ بناءاً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقتين :
اولاً : طلبٍ من ثلث الاعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم
ثانياً : طلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم
انه حق دستوري لا جدال فيه، ولكن الاعتراض هو أن يستخدم هذا الحق في ظروف غير طبيعية بردود أفعال متسرعة وغير مدروسة بسبب الخلافات بين أطراف العملية السياسية
إن من المستغرب قيام البعض ممن كان يخالف فكرة إنشاء الأقاليم ويعتبرها عملية انفصالية بمطالبته الان بقيام الاقاليم، وهذا دليل على هزال الوضع العراقي وتقلباته السريعة لأسباب آنية غير ستراتيجية، علماً بأن القضية تدور في اطار المصالح وردود الأفعال المستعجلة، وهذا ما حدث بالضبط عند إصدار مجلس محافظة صلاح الدين بياناً حول العمل على صيرورة المحافظة اقليماً، وقد صاحب ذلك قيام تظاهرات مؤيدة وشن حملة إعلامية على الحكومة المركزية مع بعض التهديدات المتعلقة بالطاقة الكهربائية والطرق الخارجية وامكانية قطعها عن العاصمة بغداد.
كما يجري الحديث في محافظتي الانبار ونينوى حول الموضوع نفسه، علماً بأن محافظة البصرة وبعض محافظات وسط وجنوب العراق قد طرحت مشاريع مماثلة لاقامة أقاليم فيها.والمؤسف أن تتحول هذه المادة الدستورية إلى وسيلة للتعبير عن صراعات طائفية ومصالح مناطقية بحيث تدنى مستوى المفاهيم والسياسات لدى البعض بدليل أن من لديه محطة كهربائية أخذ يهدد بقطع التيار الكهربائي عن المحافظات الآخرى، وقد حدث ذلك فعلاً في السابق من قبل محافظة ذي قار التي هددت محافظة البصرة بذلك، وتقوم محافظة صلاح الدين الآن بتهديد محافظة بغداد، وقد تطوّرت التهديدات لتصل إلى الثروة الوطنية التي ينص الدستور صراحة أنها ملك للشعب العراقي كله كالنفط والغاز وقيام بعض المحافظات بادعاء أن ما يكمن في اراضيها ملك للمحافظة أساساً، وبامكانها قطعهما عن الدولة المركزية
كما أن هناك ظاهرة أخرى تمثلت في الصراع على حدود المحافظات، مثل قضية عائدية النخيب بين محافظتي الأنبار وكربلاء
إننا نعتقد ان ردود الافعال المتشنجة وغير المدروسة هذه تؤدي في حالة تنفيذها إلى تقسيم البلاد وتعميق الصراعات الطائفية السياسية والمحاصصة التي كانت ولا زالت سبباً رئيسياً لكل المشاكل والانقسامات، ولكن لا يمكن إغفال حقيقة مؤكدة وهي أن هذه الديمقراطية التوافقية المبنية على تلك المفاهيم والممارسات الخاطئة غير قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار وبهذا تحوّلت الحكومة إلى إدارة الأزمات أكثر منها حكومة حل الأزمات وتوفير المشاركة الفعلية التي تبني الوحدة الوطنية وتحقق سيادة القانون الذي ينطبق على الجميع ومن دون تفرقة، لذلك نقول ان قيام الأقاليم، ولو أنه حق دستوري، ولكن يجب التعامل معه من منطلقات وطنية موضوعية بعيدة عن الانفعالات والتصرفات الخاطئة مهما كان مصدرها.
إن وحدة الأراضي العراقية مهمة وطنية عليا تشارك في الحفاظ عليها جميع القوى السياسية والمكونات داخل المجتمع، واذا ما نضجت الظروف الموضوعية أو الاسباب الموجبة لممارسة هذا الحق الدستوري حول إنشاء الاقاليم، فالواجب يقتضي الانطلاق من اعتبارات غير انفعالية ورد فعل لموقف مركزي معين، أو وجود ظروف مستجدة تتطلب طرح مثل هذه الطلبات الخاطئة من حيث التوقيت والاسباب.
لقد حذرنا باستمرار من نهج المحاصصة السياسية، وكنا نخشى بسبب ذلك أن نصل إلى ما وصلنا اليه الآن من طلبات مستعجلة وغير مبررة لاقامة اقليم هنا أو هناك من دون توفر الامكانات الذاتية والداخلية في إدارة الاقليم، وبقاء لحمته وانسجامه مع جميع محافظات الوطن الأخرى ، فالاحتراب والارتجالية والتهديد وردود الأفعال الآنية لا تبني اقليماً متكاملاً ومستقراً لا يهدد الوحدة الوطنية.إننا نأمل أن يراجع البعض موقفه وأن نعمل جميعاً من أجل ترسيخ وحدة الاراضي العراقية وتحقيق التقدم والنمو الذي يحتاج إلى التعاون المتبادل بين المحافظات وحسب امكاناتها الداخلية التي يجب أن تصب اولاً واخيراً في مصلحتها ومصلحة الوطن كله .
* الامين العام للحركة الاشتراكية العربية