الحديث عن العباس ابن أمير المؤمنين عليهما السلام، ليس بالأمر الهين، وليس بالسهولة التي يمكن من خلالها، أن نسبر أغوار هذه الشخصية العظيمة، التي كان يكن لها المعصومون عليهم السلام، أسمى حالات التقدير والتبجيل.
من باب ما لا يدرك كله، لا يترك جله، كما يقال، يمكن أن ندخل للحديث عن هذه الشخصية العظيمة، التي ترتجف اليد وتتلعثم الشفاه، إن أرادت التكلم والكتابة عنها، يمكننا الدخول لهذه الشخصية الخالدة، من خلال مفردات زيارته، التي وردت عن المعصوم عليه السلام.
يبدأ المعصوم بالسلام علي أبي الفضل قائلا، “سلام الله، وسلام ملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصديقين، والزاكيات الطيبات، فيما تغتدي وتروح عليك يابن أمير المؤمنين” الله ما أعظمها من تحية وسلام!، على هذا الطود العظيم، فمن عِلمِنا إن المعصوم لا ينطق عن الهوى، وأنه لا يجامل ولا يحابي، من عِلمِنا هذا، نعلم إن مفردات سلام المعصوم عليه السلام، هي مفردات تعكس عظيم الشأن، لهذه الشخصية الإلهية.
كلام المعصوم يعكس إن كل الأنبياء والأوصياء، يسلمون على هذا الشهيد رواحا وجياءا، “فيما تغتدي وتروح عليك”.
ربَ سائل يسأل، ما سر هذه المنزلة العظيمة للعباس عليه السلام؟!
الجواب واضح من نفس الزيارة، ونفس كلام المعصوم عليه السلام، حيث قال بعد السلام المذكور آنفا “أشهد لك بالتسليم والتصديق، والوفاء والنصيحة، لخلف النبي المرسل، والسبط المنتجب، والدليل العالم، والمظلوم المهتضم” , الواضح من هذا المقطع، إن منزلة العباس عليه السلام، لم تأتي لقرابته واخوته للحسين عليه السلام، بل جاءت من تسليمه المطلق لإمام زمانه، وهذا التسليم لا يأتي إلا عن معرفة تامة، بمقام المعصوم عليه السلام.
معرفة العباس عليه السلام بمقامات المعصوم، جعلته يقر بالتسليم المطلق لهذا الإمام، فالتاريخ يذكر إن العباس عليه السلام، لم ينادي الإمام الحسين عليه السلام إلا بقوله سيدي أو مولاي، ولم يقل له اخي أو يبن والدي، بل كان يتعامل معه على أساس الولاية الألهية، التي يمتلكها المعصوم.
ثم أن التاريخ يذكر أيضا إن العباس عليه السلام، الوحيد الذي لم يعترض على أفعال الحسين عليه السلام، أو يستفسر عنها، فحينما أمره الحسين عليه السلام، بإعداد نفسه لتكفل العائلة، والتحضر للسفر إلى مكة، ومنها للكوفة، لم يقل العباس عليه السلام كما قال غيره، لماذا نأخذ النسوة، أو أن يبدي رأي في القضية، بل كان تنفيذه للأمر، تنفيذ تسليم مطلق، لمعرفته بأن أفعال المعصوم، هي أفعال الحكمة، وهي أفعال تدور في مدار تنفيذ الأمر الإلهي.
العباس عليه السلام اثبت ذلك شخصيا، بأن دافعه دافع الدفاع عن الدين، وإنه آثر دينه على نفسه، في ارجوزته حينما قُطِعَت يمينه حيث قال: والله إن قطعتم يميني إني إحامي أبدا عن ديني وعن إمام صادق اليقينِ سبط النبي المصطفى الأمينِ فالإرجوزة تنم عن إن هم العباس، وسعيه، هو للدفاع عن دينه، وعن مقام العصمة، المتمثل بالإمام الحسين عليه السلام.
لقد أثبت العباس عليه السلام، من خلال وقفته، إن العزة كل العزة، والكرامة وسر الخلود، هو في الدفاع عن الدين والمقدسات، دون النظر للمصالح الشخصية، أو العصبيات الأخوية والقبلية.
فالسلام عليك يا أبا الفضل أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار ولعن الله قاتليك ومن رضي بقتلك يابن أمير المؤمنين.