15 أبريل، 2024 11:22 م
Search
Close this search box.

العبادي يموت مرتين

Facebook
Twitter
LinkedIn

من لم يكن الشعب سنده فلا سند له , هذه حقيقة استوعبتها و جسدتها على الارض الكثير من تجارب العالم الناجحة , و لا اريد الذهاب بعيدا عن الدول القريبة منا و التي تقترب بعض الشيء من خصوصيات و توصيفات بلدنا و لا نشبهها اليوم اطلاقا في نواحي التقدم و الازدهار و الاستقرار التي افتقدناها منذ خمسة عشر عاما على الاقل .
الكثير من التجارب الناجحة كان وراءها الشعب , و هذه تجربة سنغافورة التي قادها رئيس الوزراء ( لي كوان يو ) و نقل هذا البلد من انحطاط و تخلف الدول النامية الي مصاف الدول المتقدمة , لتكون نموذجا عمليا للدولة المتطورة رغم الكثير من المعوقات لأنها تحترم الشعب و تعتمد عليه اولا و اخيرا , و هو الذي صنع المعجزات .
و لا نقرأ اليوم جدولا او احصاءا الا و سنغافورة تحتل فيه المراكز الاولى , لأن رئيس وزراء هذا البلد المعاصر كان يحلم في بناء وطن للناس و ليس له , و بنى المصانع و ليست الفضائيات و الاذاعات , و اغلق السجون و استبدلها بالمدارس , و حارب الفقر و طبق حكم القانون بقيادة كفاءات تتمتع بالنزاهة في ادارة موارد الدولة .
النموذج الاخر هو تجربة الدولة الاسلامية ماليزيا او ( نمور اسيا ) التي تعد اليوم في طليعة الدول التي خرجت من قضبان التخلف و دخلت معسكر الدول المتقدمة , حيث يعود الفضل في تلك النهضة الى اهتمام السلطة بالمواطن قبل كل شيء . و يعد مهاتير محمد الذي تولى رئاسة الوزراء لأكثر من 22 سنة باني ماليزيا و سموها بعد ان شهدت الدولة قفزات هائلة في جوانب الاقتصاد و التعليم و البنى التحتية و الخدمات باسناد من الشعب .
اما تجربة بوتسوانا تلك الدولة الافريقية التي اطلق عليها اسم ( نمر افريقيا ) , فكانت مثالا للنظام السياسي المستقر الذي يستمد شرعيته من المجتمع بأكمله .
و في اول خطاب امام اول برلمان منتخب اعلن الرئيس ( كهاما ) ان سياسة حكومته تقول ان اول مسؤولية لها ستكون تجاه الشعب بدل اية ايدولوجية خارجية , و هذا الاستقرار و التطور يعود الى وجود قيادات سياسية واعية و مخلصة تعمل برؤية مجتمعية و تتبنى سياسات واقعية في اطار مؤسسات واعية و ليست شكلية .
نستخلص من هذه التجارب الثلاث ان الاعتماد على الشعب هو الذي يحقق النجاح , و هو الذي يكتب تاريخ القادة الناجحين مثل ( لي كوان يو ) و ( مهاتير محمد ) و ( كهاما ) , فهل علينا اليوم ان نقتدي بهذه التجارب الناجحة و قادتها , و نعترف بأن لا شيء يمكن القيام به في كل تفاصيل الحياة بدون الشعب , لانه صاحب القرار و صانع الكبار .
اعرف ان رئيس الوزراء حيدر العبادي يموت في اليوم مرتين , الاولى لانه مع الشعب و مطالب المتظاهرين بل هو جزء منها , و يجد حرجا في تلبيتها بالكامل و بالسرعة الممكنة , و الثانية اصطدامه بالرافضين من اعداء التطور و المصرين على حبس الشعب بين جدران رسموها ليبقى الحال كما هو عليه من غير الانتقال الى مراتب جديدة قد تجردهم من مصالحهم .
الحكام زائلون لكن الشعب باق , الا ان صفحات التاريخ لن تنسى الحديث عن العبادي اذا ما اراد ان يكون قائد تجربة جديدة تضاف الى تجارب مهاتير و لي كوان يو و كهاما .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب