ربما يكون السيد حيدر العبادي من قلائل السياسيين الذين يطيحون بأنفسهم مع سبق الإصرار و الترصد ، وهي فكرة في البلادة السياسية الناتجة عن قصور في الرؤية السياسية وتحليل الحاضر وإتخاذ قرارات المستقبل .
ربما أيضاً لم يكن في أحلامه يوماً ، في أفضل حالات تلك الأحلام ، أن يكون رئيساً لوزراء بلد بحجم العراق ومشكلاته واستعصاءاته وحقول الألغام فيه ..!
فأصبح القميص مهلهلاً عليه ، حتى بدا المنظر كوميدياً أكثر من المعقول !
صعد الرجل بتسوية وها هو اليوم يسقط بتسوية أيضاً ، ومن شدة بلادته السياسية ، جمّل الغركان غطّه ، كما يقال في المثل الشعبي العراقي ، فعاد إلى البيت الزوجية مدحوراً بدل أن يعود اليه قوياً منتصراً !
عاد إلى العش الزوجية على إيقاعات الأغنية العراقية التي تقول بصوت حسين نعمة الرخيم ” رديت وجدامي تخط حيرة وندم ، رديت وعيوني تخط قبل القلم ،رديت لحجاياتنا العايزها بس جلمة صدق”..
الأكيد إن السلوك السياسي على المستوى الشخصي بالنسبة للعبادي يحتاج الى دراسة حقيقية يشارك فيها محترفون سياسيون ليجيبوا على السؤال التالي :
كيف أضاع العبادي كل فرص النجاح التي أتيحت أمامه منذ 2014 ليعود مخذولاً ذليلاً إلى بيت الدعوة على إيقاعات تشفي غريمه نوري المالكي ؟
عاد بعد أن طالبه حلفاؤه في الإصلاح بالاستقالة ..
عاد بعد أن طالبه الغرماء في البناء بالإستقالة ..
عاد بعد أن تفتت كتلة النصر مشارقاً ومغارباً ..
عاد بعد أن فقد التأييد الشعبي له بعد أن أطاح بكل الآمال التي عقدت عليه بعد 2014 ..!
عاد بعد خراب البصرة وملحقاتها..
فأي عودة متلفعة بعباءة الخذلان !
فأي عودة بائسة هذه على مائدة الكواسر في حزب الدعوة ، الذين سينهشون ببقايا جسده السياسي حتى يصبح نسياً منسياً !
بكل جدارة أطاح العبادي بنفسه ، وكنت توقعت له ذلك في مقال لي تحت عنوان ” لارئاسة جديدة للعبادي ” نشر في صحيفة العالم الجديد في التاسع من كانون الثاني 2018 وجاء فيه ” لقد اكتفى العبادي بسياسة “البعض ” فيما راح الآخرون يعملون على سحب الأبسطة من تحته حتى وجد نفسه اليوم وحيداً في مواجهة خصم عنيد وقوي مثل المالكي وحلفائه ، رغم أن المالكي من العسير عليه أن يعود مرّة ثالثة الى سدّة رئاسة الوزراء !
هل بإمكانه أن أن يعالج جسد “تحالف النصر ” مما أصابه نتيجة وقوعه فخ رفاق الدرب الواحد والولي الواحد..!
تبدو إمكانية ضعيفة جداً ، فقد كانت الجراح أشد إيلاما وأقسى مما كان يتصوره ، لكن السياسة لاتعرف الرحمة وترفع قبعتها لمن يجيد اللعبة بذكاء وإن كان يسجل أهدافة قبل ان يطلق حكم المفوضية صافرته بانتهاء اللعبة..!
هل ضاعت الفرصة عليه ؟
الأغلب إنها ضاعت ، وستضيّع فرصته بولاية ثانية ، إن لم تكن قد ضاعت فعلاً ، فالرجل لم يعد قادراً على التراجع خطوة إلى الخلف ، كما إن خطوته القادمة إلى الأمام تبدو هي الأخرى مجهولة البوصلة حتى الآن !! “.
لم يستمع العبادي إلى كل النصائح التي قيلت له علناً وهمست في أذنيه أحياناً ، بالإستفادة من الفرص وترك الشعارات لأهلها وينفذ عهداً واحداً قطعه على نفسه وللجمهور معاً وهو ” الضرب بيد من حديد على الفساد والفاسدين والمفسدين ” ..
ويا للخيبة حين عاد إلى أحضانهم التي سيشهد منها “الويل والثبور ” !!
أراد الرجل أن يعتاش على هزيمة داعش ، ويبدو إنه لم يكن يعلم أو أراد أن لايعلم إن النصر تقاسمه الآباء على كثرتهم ، فالنجاح له أكثر من أب والفشل يتيم !