23 ديسمبر، 2024 1:11 ص

العبادي ولحظة النصر

العبادي ولحظة النصر

عندما سُئل المستشار الألماني هلموت كول عن الصورة التي يتمنى أن يتذكره الناس بها قال: ” مواطن ألماني “جداً، كان كول يقول لشعبه، وهو يشاهد جدار برلين يتهدم قطعة قطعة : ” القضية الكبرى ليست ما فعله الجدار بنا، المسألة الأهم هي ما سنفعله بعد إزالة الجدار”.
ربما سيقول البعض، ما لنا ومال ألمانيا وجدارها ومستشارها، ونحن نعيش اليوم فرحة النصر على عصابات داعش، وأقول ما تعلّمته في الصحافة والكتب، يؤكد أنّ الاهتمام بالأحداث الآنيّة لايمنعنا من تسليط الضوء على ما يعيق التقدم نحو المستقبل، المشكلة اليوم أنّ هناك شيئين في العراق، لايمكن السيطرة عليهما، بعض ” لطفاء ” الفضائيات، كما في أمر السيد عباس البياتي الذي ترك مشاكل البلاد ونقص الخدمات وتفشّي الفساد المالي والإداري، ليحذّرنا من خطورة التعرّض لحزب الدعوة، والثاني تقلبات سليم الجبوري التي جعلته مرة يخبرنا بأنه لن يفرّط في تحالفه مع نوري المالكي، ومرة أخرى يقول مبتسماً إنه لن يفارق حيدر العبادي.
تثبت لنا تجارب الشعوب المدى الذي يمكن أن يصل إليه الفعل البشري، حين تتضافر الجهود والنيات الصادقة في بناء وتطور الأوطان.
كم هو مذهل ومثير ونحن نقلّب صفحات التاريخ أن نجد كيف بدأ شبح الحرب الأهلية في إسبانيا كابوسا يلوح في الأفق بعد وفاة فرانكو، مذكّراً الإسبان بتاريخ لا يريدونه أن يعود، وقتها ظهر السياسي أدولف سواريث الذي اختير ليكون رئيساً للوزراء.
كان المناخ في إسبانيا آنذاك مهيّأً تماماً لاشتعال الأوضاع في أية لحظة، خاصة أن الجميع لم يكن قد نسي الدماء التي أريقت والأبرياء الذين قتلوا، إلا أن قوة صاحب الابتسامة الهادئة نجحت في إقناع الشعب، بأنّ هناك قارباً إسبانياً واحداً لابد أن يركبه الجميع. وأنّ راكباً واحداً بإمكانه أن يُغرق المركب.
اليوم ونحن نستمع الى خطاب العبادي وهو يعلن النصر ندرك جيداً أنّ المستقبل يمكن أن يئد الماضي،ولكن بشروط أولها أن نتذكر معاناة المشردين وأهالي القتلى، والاطفال الذين تركوا أمنياتهم في مدنهم ولايزالون يأملون العثور عليها، وأن يدرك العبادي جيدا أن الفساد لايزال متغلغلا في مؤسسات الدولة وعند رجال السلطة الذين حوّلوا العراق الى بؤرة من بؤر الرشوة والإثراء السريع غير المشروع. ولم يستطع العبادي حتى هذه اللحظة الوقوف في وجه كل السرّاق وتقديمهم للعدالة.
هذه المشاهد. لاتقلُّ سوءاً عمّا فعلته عصابات داعش. فالقضاء عليها هو بالتاكيد الانتصار الأهم في تاريخ العراق.