حزب الدعوة بين الموت أو الإنتحار, ولو أن النتيجة واحدة هي الموت لكن الموت الطبيعي شيء والإنتحار شيء آخر. فهو جريمة يحاسب عليها القانون بإعتباره زهق روح حية , حتى وأن كانت روح الشخص نفسه , هذا على مستوى الأفراد أما على مستوى الأحزاب فالموت هو حاصل التناقض بين النظرية والتطبيق , في حين أن الإنتحار هو إرتكاب حماقة متعمدة تذهب بالحزب ومريديه .
وفق المتغيرات الدولية والسياسية الآن قد لا تتاح لحزب أن يحكم مجتمعا ستة عشر سنة متواصلة وهذا ما كان لحزب الدعوة فقد إستلم رئاسة الوزراء إبراهيم الجعفري سنة 2005 وحاول التشبث بالمنصب لكن حليفه المالكي تأمر عليه ليحوز الموقع لنفسه . بطريقة التكتل والإنبساط للأمريكان وأصحاب القرار , وبذلك إبتدات رئاسة المالكي سنة 2006 لغاية 2010 الدورة الاولى . والمالكي كما هو معروف عنه لم يكن يحظي بثقة حزبه من الرعيل الأول لكنه عوض نقطة ضعفه بالمال والمناصب فقد أغدق بلا حساب لكل من كان يتوسم بهم الفائدة المرجوة له .
وبذلك هيء لنفسه فترة ولاية ثانية بعد أن تأمر على منافسه إبراهيم علاوي وكي يضع الجميع في زاوية ضيقة عمل خلال الأربع سنوات من حكمه بحيازته كل ما من شإنه له علاقة بالإنتخابات إبتدا من مفوضيتها إلى القضاء إلى مسك مقاليد الوزارات والدوائر الأمنية كي يعرف خفايا الأصدقاء والأعداء . وحين يحاول أحدهم الوقوف بوجهه يلوح له بملفات فساد الله يعرف مدى صحتها , وبالمطب الذي أغتال الولاية من علاوي سقط هو الآخر بها بعد إنتخابات 2014 ومع هذا ظل يتشبث بألف حيلة وحيلة للبقاء بالمنصب , غير أن حجم الرفض العالمي والعربي والمحلي بما فيهم حزبه وإتلافه هو
الذي جعله ينسحب وعينه مبحلقة على المنصب , ولو كان سياسيا حقيقيا لما تعنت كل هذا التعنت فالمنصب ذهب لحزبه وبما أنه رئيس الحزب فكأنه هو رئيس الوزراء, لكن هذا الفهم المنطقي لا يخطر ببال الرجل فقد وجد في المنصب عشرات المناصب وملايين الدولارات يهدرها بلا حساب. والخوف من أن العبادي قد يجره يوما ما إلى المحاسبة كما جر هو العديد من الأبرياء وليس المتورطين .
إن المتتبع لمسيرة حزب الدعوة يكاد يصاب بعسر الفهم لهذا الحزب الذي عولت عليه دول ومواطنون ودوائر قرار عربية وأجنبية , ولعل نقطة ضعفه هي عدم صحة الأفكار التي صفطها في كراريسه وعدم وصدق قيادته مع نفسها ومع جمهورها , فقد جاء في نظريته المزعومة أنه يريد إستئناف الحياة الإسلامية ويبدو أن بريمر كان هو الآخر راغبا بعودة أمة الإسلام فوضع دستورا وتصورات أن يبقى منصب رئيس الحكومة بيد حزب الدعوة ومنذ ذلك اليوم المشؤوم للآن نجد أن الإسلام فقد الكثير من هيبته من خلال هذا الحزب فقد شهد العراق سرقات وإحتيال ولف ودوران وقتل وتهجير وإمتلاك مال
الغير فوق مال الدولة وسحق كرامة الناس وتخوينهم وتوسيع بناء السجون وخطف الناس من الشوراع والإعتداء على المعتقدات والمحرمات , وغير هذا كثير .
في عهد الجعفري وبالذات عام 2005 لأول مرة في العراق يرتفع بارومتر الطائفية حتى صارت نهجا لها مدارسها ومليشياتها ومنظروها وصارت الدولة ترسم خارطتها على التصور الذي يريده حزب الدعوة , وهناك أبواق تنفخ وأفواه تلعلع صدقا وكذبا . أهذه الدولة التي يحاولون على تاسيسها ؟ . ترى كيف يمكن أن يرى المواطن دولة إسلامية وسط هذا الخراب الممنهج , ستمضي أربع سنوات أخرى وبذلك يكون قد حكم العراق ستة عشر سنة . شهد فيها العراق تدنيا ماليا وسياسيا وإخلاقيا , هذا على المستوى المحلي أما على المستوى العربي فهو يرى الكل يتأمرون على بناء التجربة الفذة , حتى
أن التواصل تقطع نتيجة التخوين والإستهداف , ولعل المصيبة الأكبر أن رعاة التجربة العراقية وبنائيها من أمريكان وغرب وصلوا إلى قناعة أن ما يحصل في العراق هو مجرد هدر للوقت والمال والتخطيط , لقد لمسوا بأيديهم أن هذا الحزب يتأمر بعضه على بعض والجميع يتأمرون على العراق والعراقيين , ولعل أفضل من يعرف ذلك ويصرح به هو عزة الشابندر , العريق به وبخباياه . هذا الرجل عضو المكتب السياسي والنائب عنه في المؤسسة التشريعية لم يقل كلاما عنه بالهمس أو من باب الوشوشة وإنما قال ذلك في الإعلام وعلى الهواء مباشرة بالحرف الواحد : موجها كلامه بالأسماء
إلى قيادات الدعوة قال: إنهم لا يفقهون شيئا في السياسة . ووقتها قيل أن المالكي يدفع به للتقليل من قيادات الحزب التي لا تنسجم مع توجهاته , لكن الرجل بحكم خبرته ما كان يقبل لنفسه أن يكون بوق للمالكي ولا لغيره , ونجد ذلك بجرأته على المالكي عندما أمر بعدم السماح له التصريح بالإعلام , حيث قال : المالكي رجل غبي وهذا الموقف الذي أتخذه من تصريحاته أكبر دليل على غبائه السياسي .
ولأن الحزب غير منضبط إخلاقيا وغير متجانس فكريا وإن ما يشد الأعضاء هو تحقيق المكاسب تراه بين يوما وآخر ينشق على نفسه . فقد ولد بإسم حزب الدعوة الإسلامية وسرعان ما أنشق عنه ما سمي حزب الدعوة الإسلامية مؤتمر الأمام الحسين, وتلاه حزب الدعوة المجلس الفقهي ثم حركة الكوادر الإسلامية , وبعد ذلك حزب الدعوة تنظيم العراق , وتنظيم الخارج , ومن كثرة الإشمئزاز من الإسم ما عادوا يدخلون الإنتخابات بإسمه , فالجعفري شكل تنظيم تيار الإصلاح الوطني وخاض به إنتخابات 2010 . والمالكي شكل تنظيم دولة القانون وخاض به الإنتخابات نفسها وكذلك إنتخابات 2014 .
إن هذا التدهور السريع مع وجود المال والسلطة وهو لا يقوى على البقاء مستقرا يدل على مدى التحرك الداخلي المتعثر وقلق قيادته وقاعدته , فهو الآن بحكم الميت , ولو جرت إنتخابات نزيه ووفق الصيغ الديمقراطية لوجدت الأفلاس الشنيع لهم , أما كيفية إنتحاره فستكون على يدي أحد مناضليهم و أقصد العبادي , عندما يكتشف حجم سرقة خلفه وأعوانه وتستره على الكم الرهيب من الظلم والعدوان والإثم . فالعبادي كي يحترم التأيد العالمي والداخلي مطلوب منه أن يكون مواطنا عراقيا أولا وأن يواجه الحال بمشرط الطبيب الحاذق ويكشف كل حالات الإختلاس والسرقة والتزوير
والإحتيال , وبذلك يسجل لنفسه موقفا وطنيا في وقت العراق بأمس الحاجة إليه , وهو لا حاجة له بهذا الحزب , فقد كسب الشعب وحقق خلاصا لمن كان يتوسم بحزب الدعوة أملا , حين ينتحر يريح نفسه ويريح العراق .