انتهيت في مقال سابق الى استنتاج ان الخيارات المتاحة امام السيد العبادي باتت محدودة.فمن جهة نفض العراقيون يدهم من السيد رئيس الوزراء الذي حطم الرقم القياسي في ادنى مستوى شعبية لرئيس وزراء عراقي منذ عام 2003 . ومن جهة أخرى فان المرجعية الدينية العليا في النجف والتي لعبت دورا حاسما في انهاء حلم المالكي بولاية ثالثة ومهدت الطريق امام العبادي , نفضت هي الاخرى كما يبدو يدها من رئيس الوزراء.اما شركائه اللدودين فقد بات واضحا انهم يحاولون جديا طي صفحة العبادي والتهيؤ لمرحلة جديدة. واذا كان الدكتور حيدر العبادي لا يزال يأمل في دعم أمريكا وبعض القوى الإقليمية و الدولية فقد أثبتت سنوات الاحتلال والاعتلال الماضية ان الرهان على هذه القوى كسراب يحسبه الضمأن ماءً.
وفي تشبيه حقيقي لحال السيد العبادي وصف المفكر د.غسان العطية حالة السيد رئيس الوزراء مؤخرا بأنها احتضار سياسي .فالسيد العبادي يقترب بسرعة نحو حال الموت السريري لنفاد خياراته الاستراتيجية . واذا أراد أن يخرج من هذه الحالة وينقذ مستقبله السياسي فان عليه ان يفكر خارج الصندوق ويأخذ بعض الخيارات التي تحمل مجازفة محسوبة بعيدا عن منظومته الحزبية التقليدية بل وحتى الطائفية. لذلك فان اول خطوات نجاح العبادي في الابقاء على ولايته تتمثل بالخروج من العباءة السوداء لحزب الدعوة والمظله الضيقة لانتمائه الطائفي متوشحا بعلم العراق مظلة له وغطاء لخطواته الاصلاحيه.
يعتقد السيد العبادي مخطئا انه مكبل بمجموعة التزامات حزبية وطائفية تفرض عليه سلوك سياسي معين , ولأنني مؤمن ان بديل العبادي حاليا سوف لن يكون افضل منه بل هو غالبا سيكون اكثر تطرفا ويأخذ العراق نحو الهاوية فاني أرى ان تأشير الخيارات الأخرى المتاحة للعبادي مسؤولية وطنية تاريخية ليس خدمة لولاية رئيس الوزراء بل درئا لشر اعظم فيما لو تمكن قادة التطرف في العراق تنصيب مرشحهم لرئاسة الوزراء.
وليكون الكلام اكثر تحديدا فإن على العبادي أولا أن ياخذ زمام المبادرة وعدم انتظار موافقته شركائه اللدودين على أي محاولة حقيقية للإصلاح. ان أي مبتدأ في السياسة يعلم اليوم ان العراق بحاجة الى حكومة تكنوقراط مهنية بعيدة عن المحاصصة .والسيد العبادي يدرك ذلك وعليه ان يسرع بتشكيل مثل هذه الحكومة وعرضها على البرلمان دون انتظار موافقة شركائه اللدودين .فأذا رفض البرلمان ،وهو احتمال وارد جدا، مثل هذا التعديل فما على رئيس الوزراء سوى الهروب من قبضة وقيد الشركاء اللدودين والاتجاه للامام في تحدٍ جدي وجريئ لسلطة العملية السياسية الحالية العقيمة .
ان رفض البرلمان لحكومة العبادي المقترحة وغير الطائفية او الحزبية سيضع البرلمان في مواجهة حقيقية مع الشارع العراقي والذي تظهر ارقام قياس الرأي العام عدم ثقته بالبرلمان اوبالعملية السياسية . فحسب اخر استطلاع للراي العام العراقي فان اقل من 5% فقط من العراقيين يثقون بالبرلمان الحالي في حين ان اكثر من 80% يعتقدون ان المظاهرات و الضغط الشعبي هما العامل الحاسم في العملية السياسية . وهنا يأتي دور العبادي في الانتقال من التعويل على شرعية المحاصصة السياسية الى التعويل والاستناد على شرعية الشارع العراقي وقواه الوطنية الحقيقية التي ستساند خطوة تعليق عمل البرلمان وصلاحيته واعلان حكومة طوارئ تدير العراق حتى موعد الانتخابات القادمة .
ومع ادراكي لحقيقة ان الشركاء اللدودين وميليشياتهم العسكرية والاقتصادية سوف لن تسمح بمثل هذا الخيار للسيد العبادي فأن الاقدام على هذا الخيار يجب ان يسبقه اتفاق مسبق مع القوى الامنية الشرعية من جهة والقوى الدولية الفاعلة من جهة اخرى على حماية هذا الخيار الاستراتيجي للعبادي . وكمطلع على حقائق الوضع الاقليمي والدولي فأني مطمئن الى امكانية استجابة التيارات الامنية العراقية الوطنية من جهة والقوى الدولية الفاعلة للسيد العبادي إذا ما سار بهذا الخيار الاستراتيجي ليس حباً في العبادي ولكن ادراكاً منهم لحقيقة ان البديل القادم الذي يخطط له شركاء العبادي اللدودين سوف لن يؤدي بالعراق فقط الى الهاوية بل سيأخذ كل المنطقة معه الى تلك الهاوية التي لا يعلم مداها الا الله .