عندما كلّف حيدر العبادي بتشكيل الحكومة بتاريخ ١١ آب/ اغسطس ٢٠١٤ وفي ظروف استثنائية صعبة من سيطرة داعش على ثلث العراق وفي ظل أزمة اقتصادية خانقة قبل بها ووافق عليها مندفعا دون ادراك لعمق المشاكل والصعوبات وبدا متحمسا في البداية بعد ان وضع شرطين لاختيار الوزراء وهما الكفاءة والنزاهة . الا ان الكتل السياسية استطاعت ان تحرفه عن تطلعاته التي بقيت مجرد امنيات يحلم بها خاصة وعكست شخصيته الضعيفة عدم قدرته على مواجهة حيتان الكتل السياسية ، فاعترف ومنذ اليوم الاول بان الكتل لم تتعاون معه وفرضت عليه شخصيات لم يكن يريدها، كما عاد اقطاب العملية الاساسية من الباب الخلفي تحت مسمى نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء وهم اقطاب الكورد والشيعة والسنة وأهملوا الأقليات الاخرى . والى جانب كل ذلك ، فقد ضاعف من مشاكله وقلقه تصرفات سلفه نوري المالكي الذي ظّل محتفظا بقوته حتى بعد الغاء منصبه كنائب لرئيس الجمهورية.
ونسي العبادي ان مصمم العملية برمتها هو المهندس الامريكي الذي حذره الرئيس اوباما من ان أمامه سنة لإثبات كفاءته وقدرته على التغيير ، مع عبارة (تذكر ان الذئب على الباب)، وقد اعتقد العبادي بسذاجته المعتادة ان الذئب يقصد به داعش ، فركّز كل جهوده عليه ، في حين فاجأته الوقائع انه يمكن ان يكون اي شخص بمن فيهم احد اقطاب الطائفة الشيعية ذاتها كالسيد مقتدى الصدر، الذي اكتسح الساحة السياسية وانتزع زمام المبادرة من الحراك المدني الشعبي واقتحم حصن الحكومة المنيع واستطاع بمهارة سياسية وحزم لا يلين وبشكل مختلف هذه المرة عن شكل جمع التواقيع لسحب الثقة من حكومة المالكي عام ٢٠١٢، وان يضع حدودا لمماطلات العبادي وتسويفاته وفق الأسلوب البريطاني الذي يكتسب العبادي جنسيته . وكانت طريقة دخوله اسهل مما تصورها العبادي الا ان نتائجها ستكون مماثلة ان لم تكن اقسى من نتائج دخول داعش . وبعد ان قرر مقتدى الصدر نقل مكان خيمته لتكون امام مجلس النواب بتاريخ ٣١ نيسان ٢٠١٦ .
وقد ضاعف من التذمر الشعبي ضد العبادي شخصيته التي تفتقر للحزم والشجاعة وحتى الاقناع وكسب الرأي العام الذي سانده كثيرا ووقفت الى جنبه المؤسسة الدينية . ولم يستطع استغلال الفرص المتاحة أمامه، لا بل لم يستطيع حتى ان يعبر عن نوايا طيبة قد تحسب لها يوم الحساب الشعبي. وبذلك فقد افترق عن سلفه المالكي الذي كان يتصارع مع الكتل السياسية من خلال وزرائهم في حكومته، فان العبادي قد ترك الحبل على الغارب في تعامله معهم ومع كتلهم من خلالهم ، لذا بدت حكومته كسيحة تسودها الفوضى والانفلات. وظل حلمه البسيط مقتصرا على إكمال مدته القانونية كرئيس الوزراء لاربع سنوات. الا ان هذا الحلم البسيط الذي يبدو منطقيا في ظل ظروف الاستقرار يصبح مستحيلا في ظل الظروف الاستثنائية .
وفي هذه الحالة فان الوفاة أفضل من الذلة والمهانة التي تعقب الشلل .