لا يخفى على الجميع أن العملية السياسية في البلاد مرت بظروفاً غاية في التعقيد ، وحملت بين طياتها الكثير من الانعطافات الخطيرة والتي كان آخرها “الارهاب الداعشي ” الذي استطاع من اسقاط ثلاثة محافظات مهمة وإستراتيجية في نفس الوقت ، وبعد ثمانية أشهر من تولي السيد العبادي رئاسة الوزراء والسعي الجاد لإجراء الاصلاحات السياسية في الدولة ، وإعادة التهدئة للعلاقات بين اقليم كردستان والمركز ، ومحاربة الارهاب الداعشي في البلاد .
الاجراءات التي قام بها السيد العبادي بدت جيدة ولاقت رضا وقبول الاطراف السياسية سواءً في التحالف الشيعي او القوى السنية او الاطراف الكردية بدءً من تغيير القيادات الامنية وتعيين وزراء للوزارات الامنية والتي كانت لثمان سنوات تدار بالوكالة ؟!، والتي هي ربما محاولة من الأخير لإيقاف الفساد الاداري والمالي المستشري في مؤسسات الدولة وتجفيف منابع الارهاب الذي مازال يسيطر على ثلثت البلاد .
امام السيد العبادي صعوبات كبيرة ، ألا وهي الارث الفاسد من الحكومتين السابقتين والتي كانت سبباً مباشراً في سقوط المدن الثلاث وانهيار الجيش العراقي بالكامل وضياع المعدات العسكرية بمليارات من الدولارات والتي ذهبت بيد داعش ، ناهيك عن الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة والذي اصبح ظاهرة في بلداً اصبح في مقدمة الدولة الفاسدة ادارياً ،الامر الذي يجعل المسؤولية كبيرة في رفض الضغوط الحزبية التي تحاول ابقاء الوضع على ما هي عليه ، او وضع العراقيل امام حركة الاصلاحات السياسية والأمنية .
التحدي الكبير الذي يواجه العبادي هو كيفية التغلب على الانقسامات الطائفية في البلاد خلال السنوات الماضية والتي سببت شرخاً واضحاً في البنى الاجتماعية للشعب العراقي ، والتهديد الاخطر الذي أوجدته المجاميع الارهابية من ايجاد ارضية خصبة ساعدت في تهديد الامن الوطني للبلاد ، وتعديد العلاقة الاجتماعية بين ابنا الشعب الواحد ، وبالتالي اسقاط العملية السياسية برمتها .
أعتقد ان الجميع في العملية السياسية يعترف الآن ان البلاد تمر بظروفاً امنية وسياسية خطيرة وهي الفرصة الاخيرة لبقاء البلاد موحدة امام عواصف التقسيم والتي باتت حاضرة في اغلب الحوارات سواءً على المستوى السياسي الداخلي او الاقليمي والدولي .
على السيد العبادي الاستفادة من الدروس السابقة ، وضرورة ايجاد الارضية المتينة في داخل التحالف في توحيد الرؤية والموقف ، ورأب الصدع وتمنين اواصر الثقة بين جميع الاطراف ، ليكون هذا التحالف بحق سنداً حقيقاً لعمل الحكومة ، وبرمجة هذا التمتين من خلال عدم التفرد بالقرارات وفق الاهواء والمزاجيات والضغط الحزبي ، والاعتماد على ارث العداوات والبغضاء والكره لهذا الحزب لو لهذا التيار ، لان الجميع في مركب واحد اذا غرق سيغرق الجميع بلا استثناء .
التهدئة وطمأنة السنة يجب ان يكون مشروع مستقبلي ، والانطلاق نحو تحرير الاراضي المغتصبة من داعش ، وفي نفس الوقت مد جسور العلاقات مع السنة العرب ، وإطلاق رسائل التطمين المطلوبة في هذا الجانب ، وإيجاد الحلول الناجعة والنهائية لجميع المشاكل العالقة مع اقليم كردستان والتي تتسق مع الدستور ودون اي تجاوز على حقوق الاخرين ( سنة وشيعة ) ، لان الوضع السياسي والأمني وصل الى انعطافات خطيرة تنذر بعواقب وخيمة للمشروع الوطني برمته في البلاد .