بادئ ليس بذي بدءٍ , أجزم , واذا لا أجزم , فأكادُ اجزم مئةَ مرّةٍ ومرّه , بأنّ الشخص الأول المتأثّر ولربما الحانق على زيارة العبادي للولايات المتحدة , هو السيد نوري المالكي , ثم سواه كذلك , ويتأتّى هذا الشعور الساخط ليس بسبب إبعاد المالكي عن كرسي السلطة فحسب , وانما بالطريقة المهينة دبلوماسياً والتي عاملته بها ادارة اوباما في آخر زيارةٍ له الى واشنطن , وارغمته على دفع تكاليف الأستضافة في ارقى فنادق العاصمة الأمريكية , وهي سابقة لمْ تسبقها سابقة , وقد كان بوسع المالكي بعد ذلك , أن يجعل ادارة اوباما تعتذر له , وربما واصل دربه في رئاسة الوزراء لغاية الآن , لو انّه كبت مشاعره وغرائزه السياسية ولم يشن هجماته الأعلامية – النارية ضدّ بعض دول الخليج العربي المتحالفة مع الأمريكان , ولو انه أقام نوعاً من التوازن السياسي ” ولو نسبياً ” في سياسته مع الأيرانيين والآمريكيين .
السيد حيدر العبادي الذي امضى سنواتٍ طوال في بريطانيا , والذي يحمل شهادة الدكتوراه من احدى جامعات لندن , وتأثره بدرجةٍ ما في ثقافة مجتمع الغرب , كان لابد ان يغدو اكثر انفتاحاً فكرياً وسيكولوجياً من السيد المالكي , بالرغم من انتمائهما لحزب الدعوة , ولم يكن العبادي معروفاً في الإعلام ولدى الرأي العام العراقي قبل عام 2003 , ولعلّه من المفيد هنا في اعادة التذكير على مدى التأييد الأقليمي والدولي له منذ اليوم الأول لتسنّمه كابينة الوزارة , وهو لمْ يقدّم شيئاً بعد .! وكان اكثر من الواضح أنّ ذلك نكايةً بالمالكي واستبشاراً بعهد جديد او صفحةٍ جديدة .! , لكنَّ نتائج المعارك التي شنّها العبادي وبتنسيقٍ عسكري – امريكي , واسترجاع مساحات شاسعة من الدواعش , قد كانت احدى الأسباب لحرارة استقباله في البيت الأبيض وبغضّ النظر كلّياً عن الأعتبارات البرتوكولية .
وقد شهدنا وشاهدنا خلال الأيام القلائل الماضية كيف حفلت وضجّت وسائل الإعلام المحلية ” وخصوصاً القنوات الفضائية ” بأستضافة ساسة ومحللين ومّمن يسمّون انفسهم بخبراءٍ ستراتيجيين ! عبر ابداء تقييماتهم الخاصة لزيارة العبادي لواشنطن , وما مرفوضٌ منها وما لايناسب ولا يتناسب مع توجّهات احزاب السلطة الحاكمة .! وقد عرض الإعلام العراقي مثل ذلك ورئيس الوزراء كان لا يزال في واشنطن , واجتماعاته مع مسؤولي الأدارة الأمريكية لمْ تنته بعد .!
نرى أنه من الخطأ إعطاء الأحكام والتصورات المسبقة عن لقاءات السيد العبادي بالرئيس ترامب وحكومته , قبل عودة رئيس الوزراء الى العراق , وما ستسفر عنه نتائج هذه الزيارة , والتي قد تظهر ملامحها بعد اسابيعٍ وليس ايام .! ولربما يصطدم العبادي بعقباتٍ ومطبّاتٍ سياسيةٍ غير محسوبة , بالرغم من أنّ الإستقراءات السيكولوجية – السياسية توحي لما هو عكس ذلك , وهي ايحاءاتٌ ايضاً .!