تموز المقبل، تمر 59 عاماً على واقعة قتل نوري السعيد أشهر رئيس وزراء في العهد الملكي والتمثيل بجثته، بعد الصيحة التي اطلقها عراقي متحمس وهو يشير بيده ” هذا نوري سعيد “، لتنقض عليه الغوغاء الهائجة وتجرده من ملابسه . ولم تكن تلك الواقعة وما رافقها من ممارسة شاذة معبرة عن ثورة ١٤ تموز أو تجسيداً لوعيها الثوري .
59 عاماً مرت على تلك النهاية التراجيدية الفجائعية لمسؤولٍ اطلق صيحته المشهورة قبل ايام من مصيره ‘ دار السيد مأمونة ” ..!
بعد ٥٩ عاماً، يدور الزمن دورته، ليعيد الى الاذهان تداعيات إسمٍ وتاريخٍ وإستغفالٍ لوعي الناس، إذ يطالب سياسي تحتفي به الفضائيات رئيس مجلس الوزراء السيد حيدر العبادي ” أن يكون مثل نوري السعيد ” وهو الذي سخر قبل سنوات من زميل له من دولة القانون وهو يطالب باستنساخ السيد نوري المالكي رئيس الوزراء في دورته الثانية يومذاك ..!
سيضحك القارئ من هذه الاستعادة والمقارنة، وقد يتساءل عن مغزاها وما يُراد منها من إستهدافٍ ونبش ..!
ياعزيزي لا مشكلة بيني وأي مسؤول في دولتنا المتداعية التي ينخر فيها الفساد، سوى أحقيتي كمواطن في مساءلة موظف بدرجة رئيس الوزراء والتساؤل عن المسؤولية عن الخراب الذي لحق بالبلاد في مرحلة ضاع فيها ثلث البلاد، وصار سكانه رهائن تحت سلطة داعش . ولي في الدستور كفالة ممارسة حق التساؤل والملاحقة والنقد ..
يؤكد المؤرخ البريطاني اريك هوبزباوم، إنه لا يمكن فهم تطور المجتمعات، من غير أن نفهم أحلام وأوهام ابنائه . يقصد طبعاً الأحلام التي راودت الشعوب التي لوحت براية الثورة، ويعني كذلك الخيبات التي اصابتها بسبب ساسة ومسؤولين أحتفلوا بطرد الانظمة الملكية ” العميلة ” ، لكنهم فشلوا في إقامة الحكم الوطني النزيه . والتغيير الذي كان يفترض ان يكون به مكان رحب للآخر، يتحول وبنجاح إلى وهم كبير ومقابر جماعية ودماء على الطرقات في كل مكان ، ودولة تنام وتصحو باشارة من رجل واحد .
هل يعقل بعد 59 عاما من البيانات الثورية أن يخرج علينا سياسي من عصر التداعيات والخراب ويطالب العبادي ” ليكون نوري سعيد العراق الجديد ” يارجل ! وماذا عن العقود الستة التي ضاعت من عمر هذا الشعب حيث كان فيه رجل اسمه نوري السعيد يصر عام 1931 على دخول العراق عصبة الامم المتحدة، وحين يستمع الى مندوبي الدول الكبرى وهم يتحدثون عن مشكلة الاقليات في العراق، يلقي كلمته الشهيرة التي يقول فيها العراق بلد لكل العراقيين بجميع طوائفهم وأعراقهم ومذاهبهم، ويرفض طلبا تقدمت بها امريكا بتحديد اماكن للاقليات الدينية، ويفاجئ مندوبي عصبة الامم المتحدة بوفد عراقي ضم بين أعضائه المسلم والمسيحي واليهودي والعربي والكردي والايزيدي والصابئي، ليعلن في الثالث من تشرين الاول عام 1932 قبول العراق عضوا في عصبة الامم المتحدة، في ذلك الزمان خاض العراقيون جميعا حروبهم من اجل البناء والرفاهية والإعمار والتعليم، ولم تظهر بعد مهنة قطع الأصابع وسحل الجثث .وقبل ان يتحول ” المجاهد “، الى سجان وقاتل ومرتشي .
هل سمعتم نوري المالكي، يتحدث عن نبذ الطائفية؟ ياسيدي لو صمتَ من قبل ولو قليلا ، لما كنا الآن في عصر داعش.
نقلا عن المدى