23 ديسمبر، 2024 4:25 ص

العبادي: قنبلة إصلاحية لا تبقي من الفساد شيئاً ولا تذر

العبادي: قنبلة إصلاحية لا تبقي من الفساد شيئاً ولا تذر

مشكلة السيد رئيس مجلس الوزراء الموقر هو اعتقاده الجازم بأن الإصلاح يكمن في كابينته الوزارية وان التغيير يمكن ان يتحقق بتغيير بعض الوجوه، ولهذا نراه منذ ان حصل على ثقة البرلمان يوم الإثنين 8 أيلول 2014 وهو مشغول بشكل الحكومة، بعد سنة ونصف من دورته، لم يستقر العبادي على فريقه الحكومي، ولا زال يريد أن يبدَّل ويعدِّل.
لا شك ان تلك معضلة كبرى خلقها لنفسه وأصبحت، الى حٍّد ما تهدد وجوده في المنصب، وأثرت بشكل كبير على أدائه ، ذلك لأن استقرار التشكيلة – بالضبط كما في كرة القدم- عامل اساسي في انسجام الفريق وتنفيذ خطة المدرب، إذ كيف يمكن لوزير مهدد بالتغيير او الدمج او التصريف ان ينسجم مع مسارات العمل ويتعرف على تفاصيلها من احتياجات ومستلزمات ومن ثم يخطط ويعمل ويتقدم ، خصوصا ان هم الوزير الأول في العادة هم استغلال المنصب لصالحه ولصالح كيانه السياسي الذي أتى به، أو كما يقول “الحاقدون الحاسدون للعيشة” أن الوزير يأتي الى الوزارة وقد خطط أولاً لضمان إسترداد المبلغ الذي دفعه في شراء المنصب، وقد شاهدنا قبل ثلاثة او أربعة ايام كيف صرح احد المدراء العامين من وزارة الصناعة والمعادن ، ان الوزير احمد الكربولي عندما استلم المنصب، فرض عليه خمسين الف دولار دفعة مقدّمة وعشرين الفاً اخرى أقساطاً شهرية واجبة الدفع، ورغم ان السيد المدير العام أنكر استجابته لأتاوة الوزير الصنديد الا ان احد المقربين من دائرة الوزير أعرب لي مباشرة عن شكه في ادعاء المدير العام بالرفض وأكّد العكس تماماً لأن هذه الجباية كانت من اعلى أولويات الوزير ولم يكن مسموحاً لأحد أن يتمنّع في دفعها او حتى ان يتردد، فضلا على ما ذكره المدير العام من قيام الوزير وأخيه النائب في البرلمان بالتحكم في احالة العقود وتوزيعها بين مقاولين معينين بالمباشر في جلسات بيزنس خارج الوزارة.
في الواقع، تكون المصيبة اكبر عندما يعتقد وزير مثل الكربولي ، وكلهم كما يشاع ويقال بالتواتر يسيرون على نفس النهج ، انه أصبح على وشك ان يفقد منصبه قريبا بالتغيير او الدمج فيكون همه الأول عندئذٍ حلب الوزارة والتهامها باقصى ما يمكن من طاقة ضارباً بعرض الحائط كل ما عدا ذلك،بكلمات اخرى، نجد ان العبادي في سعيه القاصر لمكافحة الفساد تسبب في تسرّع وتيرته وارتفاع معدلاته ، وفشل بالتالي فشلاً ذريعا في الإضطلاع بمسؤولياته ولم يتقدم خطوة واحدة في اي من ملفات المنهاج الحكومي الذي تعهد به وأقسم عليه امام الله ومن ثمّ أمام الشعب.
وثيقة الاتفاق السياسي والتوازن في مؤسسات الدولة حبر على ورق، وهناك تهديدات مستمرة من قبل عدد من الشركاء إما بالإنسحاب أو بسحب الثقة.
المصالحة الوطنية في خبر كان ، بل وتراجعت اكثر حتى بدأنا نسمع بالتقسيم والإنفصال تحت ذريعة الفيدرالية، وحتى بدأنا نرى عقد تحالفات واتفاقات جانبية أمنية ومدنية مع أطراف أجنبية تتجاوز بغداد.
الحرس الوطني لم يرَ النور على حساب تضخم دور الحشد الشعبي الذي عمق التخندق الطائفي ودفع المطالبين به الى الإلتفاف حول القيادة العامة للقوات المسلحة والتنسيق مع الجانب الأمريكي لتشكيل قوات خاصة ، ان لم تكن طائفية بحتة فهي مناطقية صرفة تتوجس من الحشد الشعبي وترفض تعاونه ومشاركته في عملياتها ضد داعش، وتنمِّي المزيد من الحساسيات التي تترك اثرها السلبي على وحدة البلاد وتلاقِ المكونات .
مكافحة الفساد جعجعة فارغة ورحى جوفاء ملأت الدنيا ضجيجاً ولا من دقيق. أطرف ما فيها ان المفسدين معلن عنهم ولا يحتاج الأمر الى اي جهد خارق لجرهم الى القضاء ومحاسبتهم، فالإعتراف سيد الأدلة كما في حالة وزير الصناعة والمعادن وأخيه البرلماني التي مرّ ذكرها، ولكن ليس من مجيب، ولا ندري متى سيظهر ماركيز عراقي ليكتب “قصة فساد معلن”، بل أن البعض من كبار المفسدين الذي تمكنوا من إلغاء أحكام قضائية عبر صفقات سياسية مشبوهة يحملون سيف دون كيشوت ويحاربون ، في خيالهم المريض وتصوراتهم الفجة وطروحاتهم المقيتة، طواحين الدعارة ونواطير الفساد الذي هم أنفسهم من أباطيره، ويعترفون بلا حياء ولا خجل انهم مرتشون، وهو اعلان تترفع عنه حتى المومسات.
المشاكل مع إقليم كوردستان على ما هي عليه مع تبادل الإتهامات من قبل الجانبين بعدم الإلتزام بالإتفاق المبرم  مع بعض المهاترات والمناكفات المفضوحة مثل إعراب العبادي عن استغرابه من عدم قيام حكومة الإقليم بدفع رواتب موظفيها او تعهده بدفعها اذا التزمت حكومة الإقليم بتسليم ما يتوجب عليها من كميات النفط المصدرة حسب قانون الموازنة ، وكان العبادي في خطاب الثقة افرد موضوع الإقليم وحكومة المركز بفقرة مرتجلة خاصة اضافة الى ما مدون في الخطاب، تعهد فيها بحل كافة الإشكالات مع الكورد في غضون مدة وجيزة.
،أما ملف الخدمات والأمن والبطالة والنازحين وإعمار مناطقهم وأعادتهم اليها والمتظاهرين والأزمة المالية الخانقة فقد تفاقمت وازدادت سوءاً على سوء.ثمّ فجأةً وعلى حين غرّة، طلع علينا السيد رئيس مجلس الوزراء أمس (الأول) بما اسماه مكتبه الإعلامي وثيقة “الاصلاحات الشاملة والتعديل الوزاري”، وقال ان الوثيقة التي ارسلها الى الكتل السياسية “تبني خارطة طريق مقترنة بتوقيتات زمنية محددة لانجاز المهام الخاصة بالوزارة في ضوء خطة عمل الى جانب متطلبات انجاز البرنامج الحكومي”.
بعد سنة ونصف يرسل متطلبات إنجاز البرنامج الحكومي الى الكتل السياسية ويعرض عليهم الإصلاحات الشاملة ، وهو ما يعني حرفيا العودة الى المربع الأول.
الأنكى من كل ذلك ان العبادي شكل لجنة برئاسة الشهرستاني لإختيار الوزراء “التكنوخراط” قبل عرضهم على البرلمان حيث افاد مصدر مقرب من رئاسة الوزراء أمس (الأول) الجمعة بان رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي طلب من وزير التعليم العالي السيد حسين الشهرستاني تولي رئاسة لجنة الخبراء المستقلين الذين سيتولون مراجعة السير الذاتية للمرشحين ورفع اسمائهم بعد التدقيق والمراجعة لعرضها على مجلس النواب، وهو اجراء مضاد للجنة التي شكلها سابقا زعيم التيار الصدري وأعلنت انها استلمت ١٢٠ ترشيحاً وزاريا.
هذا يعني حرفياً ان ايران عادت لتضبط إيقاع التحالف الوطني وأعادت المياه الى نهر المحاصصة الطائفية للعمل وفق معاييرها بعد ان زادت هوة الخلافات بين مكوناته وهددته بالإنفراط، بالضبط مثلما أمرتهم بقبول الدورة الثانية للمالكي حتى وإن كان يضربهم على رؤوسهم كما أعلن في حينه بعد انتخابات ٢٠١٠..”تلك هي القنبلة التي لن تبقي شيئاً من الفساد ولا تذر، “وأبوكم الله يرْحْمَهْ”[email protected]