الانتخابات المقبلة في العراق في ايار القادم ستكون مفصلية ليس فيما يتعلق بالوجوه بل بالاتجاهات . الادارة الامريكية والغرب يراهنان على ولاية ثانية للدكتور العبادي ، لاسيما وان الطرق معبدة أمامه ، فشعبيته في اوساط العراقيين ازدادت بعد الانجازات التي تحققت في ولايته ، ومن اهمها الانتصار على داعش وتحريره للمدن والاراضي التي كان قد استولى عليها، و لتحركه السريع في احباط استفتاء الكورد في 25 من ايلول الماضي واستعادته للمناطق المتنازع عليها ووضعها تحت سلطة الحكومة المركزية.
ايران بدورها ، لا تمانع من وجود العبادي على رأس ولاية ثانية طالما كانت قادرة على احتوائه . وستكون محاولة المالكي للعودة الى منصب دولة الرئيس محفوفة بالمخاطر ، وهو يعرف ذلك ويتفهمه ويقبل به ، ويدرك ان ايران لا تريد المجابهة مع امريكا في الوقت الحاضر بغض النظر عن شعارها المحبب الموت لأمريكا . بيد ان على العبادي استحقاقين ينبغي ردهما لأصحابهما ، فالانتصار على داعش ما كان يتحقق من دون دعم التحالف الدولي بقيادة امريكا عسكريا واعلاميا . وما كان يتحقق أفشال استفتاء الكورد واسترداد المناطق المتنازع عليها من دون ايران . وفي كلا الحالتين تجيّر الانتصار والنجاح للعبادي .
دعونا نتصور احتمال ما سيكون اذا ما حاز العبادي على الولاية الثانية . ستطلب امريكا منه في أحسن الاحوال بالنسبة له ، عدم التورط في محور ايران ومعالجة وضع الحشد الشعبي بما يضمن وجود السلاح بيد الدولة وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية . أما أسوؤها ، فدعوته لكي يكون شريكا من ضمن الشركاء الذين يعملون معها لأحتواء ايران وتقليم مخالبها ، وان يتحرك العراق اقليميا في هذا الاتجاه ، وان يندمج اكثر مع دول الخليج العربية ، وان يحقق مصالحة وطنية تقوم على شراكة حقيقية يشعر فيها العرب السنة والكورد انهما فعلا يساهمان في قيادة البلد . مقابل هذا سيلقى العبادي الدعم الغربي والعربي على مختلف الاصعده ، وسيساهم الغرب والدول العربية الخليجية في عمليات الاستقرار واعادة الاعمار ، وسيضمن وحدة العراق واستقرار الاوضاع الداخلية ، فلا الكورد يطالبون بحقوق اكثر مما ضمنه الدستور ، ولا السنة يفكرون بأقليم سني .
اما ايران فستطلب من العبادي ، في أحسن الاحوال بالنسبة له، ان لايكون متعلقا بدرجة كبيرة بالحبل الامريكي ومتفهما لأهمية نفوذها في العراق . أما اسوؤها فهو ممارسة ضغوطها باتجاه ان لايتخذ اجراءا تنعكس اثاره سلبيا على ايران أو على نفوذها في العراق ، وان يكون دور العراق واضحا في دعم سياسات ايران الاقليمية، والابتعاد عن السعودية ودول الخليج العربية الضالعة في الخطط الامريكية الموجهة ضد ايران . وخلال ذلك ستفهمه انها ، بما تمتلك من نفوذ في العراق ، قادرة على الاطاحة به بسهولة ، لاسيما بوجود طامحين لمنصب رئيس الوزراء لا يترددون في الاعلان عن استعدادهم لأن يكونوا طوع بنان المرشد الاعلى في ايران.
وضع الدكتور العبادي في الولاية الثانية لن يكون سهلا ، فسيمتحن بين سندان المرشد ومطرقة ترامب. أما سياسة مسك العصا من الوسط ، التي حافظ عليها العبادي خلال الولاية الاولى فلن يكون خيارا مقبولا في الولاية الثانية، لامن قبل المرشد ولا من قبل ترامب . فهو بين خيارين اهونهما مر ، بين خيار الاطاحة به من المرشد أو الاطاحة بوحدة العراق من ترامب.