23 ديسمبر، 2024 6:40 م

العبادي: إنِّي أخيرُ نفسي , بين الوطنية والحزبية!!

العبادي: إنِّي أخيرُ نفسي , بين الوطنية والحزبية!!

لا تحتاج الدول والبلدان إلى الكثير من الفترات الزمنية, لكي تنسلخ من حالة تردي إلى حالة رقي أو كمال, بل في أغلب الأحيان يكون لضغط الظروف والأحداث, دورا محوريا في حصول تغيير سريع وانقلاب في المشاهد والمواقف, قد تقود تلك البلدان إلى العلو والرقي, وقد تؤدي بها إلى الانهيار والفشل؛ فالعبرة بتلك اللحظات التاريخية, التي تعتبر عند البعض كبوابات زمن, تلج منها الأمم في التغيير, وكل ذلك يعتمد على عدد من المواقف والمقومات, وأهم هذه المواقف عادة, تكون مواقف مصادر القوة والتأثير في ذلك البلد, سواء أكان مصدر القوة والتأثير من السلطة, أو من مجموعات الضغط, أو من الشعب المتفق على المطالبة بحقوقه.

الظاهرة الإيجابية التي تمر في العراق في هذه الفترة, هي حصول إجماع بين عموم أبناء الشعب, وبين أغلب مجموعات الضغط المؤثرة والفاعلة في المجتمع العراقي, على أن الفساد السياسي والإداري والوظيفي والمالي والإداري, قد بلغ مستويات لم يعد الشعب يتحملها, ولم تعد شعارات التخدير والتهدئة, تتجاوب مع حالة الإحباط والغضب عند الجهات المذكورة .

اختلاف الكثير من الآراء حول شخصية ألعبادي, في قدرته أو عدم قدرته على تحقيق الإصلاحات المختلفة- المطالب بها من قبل الشعب والمرجعية, وقبلها: المطالب بها وطنيا وأخلاقيا وشرعيا- جعل الثقة تتزعزع بالرجل, ويكثر الهجوم عليه من قبل الكثير من الأطراف, وقد تكون بعض الأطراف محقة في عدم ثقتها بقدرته, على حمل هذه الأمانة الثقيلة, التي قد تضطره إلى نزع الكثير من الأردية والأثواب, وأولها نزع ثوب الولاء لحزبه, الذي سيكون المتضرر الأول من حزمة الإصلاحات, إن تم تبني هذه الإصلاحات, بشكل واقعي وعملي من قبل ألعبادي وجهازه الحكومي!

الموقف الحقيقي الذي سينقذ ألعبادي من هذه الأزمة الكبيرة, هي إتباع المنهج البرغماتي الممزوج بروح وطنية؛ فالعبادي يدرك جيدا أنه يملك الآن في هذا المفصل من التأريخ, زمام مبادرة تغيير واقع مزري, من خلال تحقيقه لحزمة الإصلاحات المطلوبة منه, والتي هي أولا وأخيرا تستهدف حل مشاكل أبناء الشعب العراقي؛ شريطة أن تكون تحت سقف الدستور ومراعاة القوانين, لكي تأخذ طريقها الى التنفيذ دون عوائق.

هذه القرارات هي ليست قوانين مشرعة من قبل مجلس النواب العراقي, لذا فمن الضروري تعشيق آليات الإصلاح لدى العبادي, بين إتباع واحترام الوضع والإطار القانوني لهذه الإصلاحات, وبين توجيه جهود الإصلاح نحو معالجة المشاكل الموجودة, سواء الأمنية او الاقتصادية او الخدمية او البطالة, او غيرها من المفاصل في جسد الدولة العراقية, وخاصة الفساد الإداري والمالي, وليس على مستوى الأشخاص فقط!

شرط التجرد عن رداء الولاء الحزبي الضيق, وتفضيل المصالح الشخصية, والذي يلف خاصرة أغلب سياسيي العراق, تعتبر كمرض طاعون, سينخر في جسد أية مشاريع إصلاحية لهذا البلد, فابتعاد ألعبادي عن النفس الفئوي والحزبي, والتمترس بالإرادة الشعبية ودعم المرجعية, سيبعده عن منهج الإصلاحات السلبية, والتي ترمي إلى إقصاء القوى السياسية تحت عنوان التكنوقراط!

يجب أن تكون هذه الإصلاحات جدية ومتواصلة, وان تكون جذرية تمتد في عمق المطالب المشروعة للمواطن العراقي, وان تكون شاملة وليست أحادية, لتشمل كافة المسئولين من أعلى إلى أدنى مستوى, وليكون الجميع مشمول بهذه الإصلاحات! وان تكون متوازنة, وان لا يعترض عليها القانون, وان لا تتعارض مع الدستور العراقي, وبهذا سوف يكتب لها النجاح .

*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالأيديولوجيات السياسية المعاصرة.