18 ديسمبر، 2024 11:29 م

العبادي إذ يُنكر..

العبادي إذ يُنكر..

في مؤتمره الصحفي التالي لاجتماع مجلس الوزراء أول من أمس، رئيس الوزراء حيدر العبادي إمّا أنه كان يجانب الحقيقة عمداً وعن سابق إصرار، أو أنه في وضع الآخر مَنْ يعلم بأمور الدولة التي يديرها. وفي الحالين فإنه يعطي عن نفسه المزيد من الانطباع بأنه لا يصلح لإدارة مؤسسة صغيرة وليست دولة بحجم العراق وأهميته، أو حتى أصغر.
العبادي قال في المؤتمر الصحفي إنه”حتى الآن”(مساء الثلاثاء) ليست لديه معلومة عن استخدام السلطات الأمنية في البصرة الرصاص الحيّ في قمعها المتظاهرين، لكن بعد ساعات فقط (صباح أمس) أعلن المتحدث باسم وزارة الصحة عن أنّ حصيلة أحداث الثلاثاء العنيفة في البصرة بلغت خمسة قتلى من المتظاهرين و68 جريحاً منهم 41 مدنياً و 27 من منتسبي القوات الأمنية.
مؤكدٌ أنّ هذا العدد الكبير جداً من القتلى والجرحى لم يحصل بعد أن فضّ السيد العبادي مؤتمره الصحفي وحمل نفسه ليتناول وجبة طعام أو ينظر في أوراق رسمية أو يطير إلى البصرة.. إنهم، أو معظمهم، بدأوا يتساقطون قبل ساعات من التئام مجلس الوزراء في اجتماعه الأسبوعي ومن عقد المؤتمر الصحفي، ومن المفروض أن يكون السيد العبادي، بوصفه القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء، أول، أو ثاني أو ثالث، مَنْ يعلم بالأمر من الاجهزة الاستخبارية والصحية الواقعة جميعها تحت إمرته، وإلّا ما معنى أن يكون قائداً عاماً للقوات المسلحة ورئيساً للوزراء..؟
إذا كان بعض الجرحى قد جُرح بالحجارة التي استخدمها المتظاهرون ردّاً على قمع القوات الأمنية أو نتيجة لانفجار قنابل الغازات التي ألقت بها القوات الأمنية على المتظاهرين، فإن القتلى الخمسة لا يمكن أن يكونوا قد ماتوا من تلقاء أنفسهم، تأثّراً بنوبات قلبية مثلاً.. هم جميعا قُتلوا بالرصاص.. الرصاص الحيّ الذي قال رئيس الوزراء، كذباً أو عن عدم دراية، إنه لم تكن لديه معلومات عن استخدامه..!
في محتقن ومحتدم ومُنذر بانفلات الوضع الأمني ووقوع أوخم العواقب، كالوضع الذي ظرف تمرّ به البصرة منذ عدة أسابيع، ليس من الصائب وليس من السليم أن يعمد رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، أو أي مسؤول آخر في الدولة، إلى التعامل مع الأمور بمثل هذا الاستخفاف بالوقائع والإنكار للحقائق…
إذا كان السيد العبادي يتصوّر ذاتيّاً، أو استناداً إلى نصيحة سوداء من بعض مستشاريه أو مساعديه، أنه بمثل هذا الإنكار سيخفّف من وطأة الأمور، فهو واهم.. واهم ومخطئ إلى أبعد الحدود. تصريحات من هذا النوع إنّما تصبّ المزيد من الزيت على النار، فالقتلى والجرحى بشر، لديهم أهل وأحبّة يحتاجون إلى إشعارهم بالمواساة والتضامن معهم في نكبتهم وإلى مساءلة القتلة وردعهم، وليس إلى الدوس على جروحهم والخوض في دماء ضحاياهم.