بكل تأكيد هذا الثالوث يعمل على تدمير العراق، ترامپ بحماقته وعنصريته، ونظام ولاية الفقيه للجمهورية الإسلامية بسياستها التوسعية وتعاملها مع العراق كضيعة من ضيعاتها، والأحزاب الشيعسلاموية العميلة للنظام الإيراني. لم أقل أمريكا، بل ترامپ بالذات وسياساته الرعناء والحمقاء، ولم أقل إيران، بل نظامه الإسلاموي الشيعوي العنصري التوسعي، ولم أقل الشيعة، حاشا لأكثرية شيعة العراق، بل عملاء النظام الإيراني من القوى الشيعسلاموية، سواء كانت عمالتهم إيديولوجية وعن قناعة، أو مصلحية للحصول على دعم إيران في تأبيد سلطتهم، وتجذير نفوذهم وامتيازاتهم، أو بسبب لمشترك بين بعضهم والنظام الإيراني في إيديولوجية العداء لأمريكا، كما هو الحال مع التيار الصدري.
قتل ترامپ لسليماني والمهندس كانت بتقديري طعنة لثورة تشرين، والطعنة لا يجب أن تكون قاتلة، وإنما قد يتعافى المطعون منها، ويعود أشد حيوية، وأقوى عودا، وأصلب إرادة، أو قد تسبب له الطعنة تأثيرا على حركته، ضئيلا أو كبيرا، قصير المدى أو طويله. لكن تظاهرات الأمس أثبتت إن هذه العملية لم تؤثر على إدامة الانتفاضة.
ولكن هذا لن يكون إلا طارئا زائلا من جديد، فلم ينتظر المتظاهرون في بغداد وعدد من محافظات الجنوب أكثر من يوم التشييع، ليعودوا في اليوم التالي له مباشرة، بنفس الشعارات وبنفس المطالب، دون أن يكون اليومان السابقان، يوم تنفيذ العملية الأمريكية ويوم التشييع، سببا للتراجع أو الانحسار.
لم أستعجل بالكتابة في يومها، في الثالث من كانون الثاني، عندما نفذت العملية الأمريكية في قتل قاسم سليماني وجمال الإبراهيمي (أبو مهدي المهندس). ولم أكتب حتى في اليوم التالي، حيث جرى التشييع في العراق وإيران، ليس عملا بنصيحة أحد الأصدقاء، الذي نصحني أن يكون لسان حالي بشأن هذه القضية «إِنّي نَذَرتُ لِلرَّحمانِ صَومًا» فما أنا بمريم. بل أردت أن أعطي لنفسي الفرصة الكافية، بسبب إن الحادث مثل للجميع، وبكل اتجاهاتهم، مفاجأة من العيار الثقيل، وربما كان تباطؤي في الكتابة، لأني ليس من النوع الذي يستطيع في المفاجآت غير المحسوبة أن يفكر بسرعة، أو قد يكون فعلا من الحكمة عدم الاستعجال في مثل هذه الحالات. وحتى لو كان كذلك، فإني أحترم من كتب موفقا في تحليله من الساعة الأولى. ولم أبدأ بكتابة مقالتي هذه إلا في اليوم الثالث، وأبدأ بنشرها في اليوم الرابع بعد إكمال نشر سلسلة «أهم التعديلات غير الخلافية للدستور».
سليماني كان يمثل من غير شك مشكلة كبيرة جدا في المنطقة، فهو اليد العسكرية الضاربة لخامنئي ونظام ولاية الفقيه في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن، وذلك تخطيطا وإشرافا ودعما وتنفيذا مباشرا في كثير من الأحيان، إذ كان رجلا ميدانيا. وعندما وصفه الإعلام الدولي بالرجل الثاني في إيران، فهذا تشخيص دقيق جدا، لأن أهمية رجال نظام الجمهورية الإسلامية لا يترتب بتراتبية المناصب ومسمياتها من الناحية الرسمية. من هنا فليس رئيس الجمهورية هو الرجل الثاني بعد الولي الفقيه، كما يفترض دستوريا، ولا رئيس مجلس الشورى، ولا رئيس القضاء الأعلى، أو رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، أو رئيس مجلس الخبراء، ولا أي شخصية أخرى، بل سليماني كان هو الأهم من كل أولئك، ولذا فمقتله يمثل ضربة موجعة جدا للنظام، لذا كان من الطبيعي أن يصلي صلاة الميت على جثمانه خامنئي نفسه.
وفيما يتعلق بالعراق، كان سليماني بمثابة القائد العام للقوات المسلحة من الناحية الفعلية، وكان هو المشرف الأول التزاما بأوامر وتوجيهات الولي الفقيه واجب الطاعة شرعا بالنسبة له، على قمع انتفاضة تشرين، وبالتالي المسؤول عن مقتل أكثر من خمسمئة متظاهر عراقي، معظمهم ممن هم في مطلع شبابهم، ودون سن الرشد القانونية، ومعظمهم من الشيعة، وكذلك المسؤول عن جرح وإصابة أكثر من عشرين ألف. وكما إن سليماني هو الرجل رقم واحد بعد الولي الفقيه، فكان المهندس ذراعه الضارب رقم واحد في العراق، ويكاد يكون بأهمية حسن نصر الله في لبنان.
لا أقول ذلك تشفيا بقتلهما، لأني كما كثيرون، يرون الحماقة كل الحماقة، فيما قام به ترامپ، وكنت أتمنى أن تنجح ثورة تشرين في إخراج سليماني من العراق، ومنعه من دخول أراضيه ثانية، بعدما تكون الانتفاضة قد حققت نصرا على أذرع سليماني وخامنئي في العراق، متمثلة بكتائب حزب الله، والنجباء، وكتائب سيد الشهداء، وسرايا الخراساني، ومنظمة بدر، وعصائب أهل الحق، والمجلس الأعلى، وحزب الدعوة الإسلامية، وتيار الحكمة، وحزب الفضيلة، أما التيار الصدري، فلي كلام منفصل عنه. بهذا كان العراق قد وفر تبعات حماقة ترامپ هذه على نفسه، وتبعاتها المحتملة على الانتفاضة.
…