حقّاً ومئةَ حقٍّ وحقٍّ انّه لمثارَ تعجّبٍ واستغراب أنْ يجري ما يجري في هذه البقعة الجغرافية – المائية ” مضيق هرمز ” من احداث تُشغل الرأي العام العالمي برمّته وتهدد مصالح دول وحكومات وشركات , فمضيق هرمز هذا يبلغ طوله 63 كم فقط , وعرضه 50 كم , بينما يصل عرض كلا ممرّي الدخول والخروج منه ميلين بحريين ” 10 , 5 ” كم , وبهذا الحجم الصغير وهذه المساحة جرى وما برح يجري من إسقاط طائرات مسيّرة واقتياد وحجز ناقلات نفط وسفن تجارية , سبقها تفجيراتٌ جزئية لناقلاتٍ أخريات , وكأنه لا توجد دول عظمى ولا أمم متحدة ولا مجلس أمن , والمضيق الضيّق هذا ليس ايرانياً بل انه ممر دولي بين ضفتي سلطنة عمان وايران .
لسنا هنا بصدد إطلاق سهام الإتهام لمن بدء الأزمة في الخليج ولا مَن استغلها او استثمرها , ولا حتى كيف امسى تجييرها وتوظيفها , إنّما ننطلق اصلاً من افتقاد المنطق السياسي ومفهوم الجيوبوليتيك العالمي في هذه الرقعة المائية الصغيرة التي يجري منها وعبرها تعريض المصالح الدولية والأقليمية لأخطارٍ لم تنتهِ بعد , بينما لم تتسبب قناة السويس في مصر التي يبلغ طولها 193 كم وعرضها 205 كم الى ايّ تهديدٍ للمصالح الدولية بالرغم من أنّ مصر تعرّضت الى حربين في عام 1956 وفي سنة 1967 من اسرائيل ومن دولٍ غربية دعمتها عسكريا ولوجستياً واستخباراتياً في كلا الحربين , و ذات الأمر ينطبق على قناة بنما التي تربط بين المحيط الهادي والمحيط الأطلسي والتي طولها 80 كم وعرضها 82 كم من حيث أمن الملاحة البحرية الدولية , ونلاحظ هنا أنّ الولايات المتحدة سبق وأن احتلتها في النصف الثاني من القرن العشرين وثم فرضت معاهدة عام 1979 كي ترفع السفن المبحرة هناك كلا علمي بنما وامريكا , لكنه وجراء التظاهرات الأحتجاجية التي انطلقت في كلا البلدين اضطرت الولايات المتحدة في سنة 1999 الى التنازل الكامل عن القناة لسيادة بنما , وإذ نسوق هذا المثال فلأجل الإيضاح عن كيفية حلّ النزاعات الدولية في الممرات المائية عبر الدبلوماسية الهادئة ودون اللجوء الى العنف .
هنا – في هذا المقال نحصر الحديث فقط عن طريقة تعامل طهران مع ناقلة النفط البريطانية المحتجزة , وإبراز الجانب الإعلامي والدعائي في الإنزال الجوي الذي قامت به وحدة كوماندوز ايرانية من طائرة مروحية عسكرية على هذه السفينة المسكينة , وهذا ما يعطي صورةً مضادة للمتلقي – الرأي العام العالمي عن عملية إنزال مسلّح على ناقلة مدنية يبلغ عدد العاملين على سطحها 20 شخصاً ونيف ومن جنسياتٍ مختلفة , وهو استفزاز طبيعي لحكومة دولة عظمى – المملكة المتحدة , وذلك ما أجّج الصحافة البريطانية ووسائل الإعلام الأخرى بالضد من طهران , وهو ايضا ما اجتذب فرنسا لصالح موقف لندن وبالضد من السلوك الأيراني , ثمَّ بالرغم ممّا يتّضح أنّ احتجاز السفينة البريطانية هو ردّ فعلٍ ظاهر على احتجاز ناقلة النفط الأيرانية العملاقة ” غريس 1 ” في مياه مضيق جبل طارق , لكنّ العالم برمّته يدرك أنّ حجز الناقلة الأيرانية تلك لم يكن بسبب جنسيتها او عائديتها لأيران , وإنّما لإرسالها وتصديرها النفط الى سوريا , وذلك محظور وفق العقوبات الأوربية المفروضة على سوريا , وحتى لو كانت عائدية الناقلة لأي دولة اخرى غير ايران .!
وليس ذلك محور حديثنا الأساسي .! , لقد خسرت الدبلوماسية الأيرانية في تصرفها هذا موقف الحكومة البريطانية المتعارض مع سياسة الرئيس ترامب في التعامل مع العقوبات الأقتصادية والنفطية مع طهران , ويتذكّر الجميع او معظمهم قضية تسرّب والكشف عن برقياتٍ سريّة للسفير البريطاني في الولايات المتحدة السيد ” كيم داروش ” المرسلة بالشيفرة الى وزارة الخارجية البريطانية , ينتقد فيها الرئيس الأمريكي بتهكّمٍ وتندّر وبعباراتٍ غير لائقة وتفتقد اللياقة الدبلوماسية بالكامل , والتي اضطرّت السفير الى الإستقالة الفورية , وقد وصفه الرئيس ترامب بالغبي والأحمق , ونلاحظ في هذا الصدد وبشكلٍ ملفتٍ للنظر أنّ اوّل ردّ فعلٍ للرئيس الأمريكي على احتجاز الأيرانيين للناقلة البريطانية , بأن صرّح بعدم وجود اتفاق مشترك بين امريكا ولندن على مثل هذه الحالات , وسوف يتشاور مع الأنكليز حول ذلك .! ولا شكّ أنّ لذلك دلالاتٌ وأبعاد .!
التساؤل المبهم ولربما شبه المبهم والقصير المدى , فهل ستتقبّل الحكومة البريطانية هذا الإستفزاز والإهانة الأيرانية لسمعة المملكة , وبالتالي ستضطرّ الى مقايضة الإفراج عن ناقلتها النفطية المحتجزة في ايران مقابل إفراجها واطلاق سراح الناقلة الأيرانية ” غريس 1 ” , وهذا ما سوف يعرّضها الى نقدٍ هائل من دول الأتحاد الأوربي .! وخصوصاً بعد احتمال ترشّح السيد ” بوريس جونسون ” لرئاسة الوزراء البريطانية قريباً جداً , وهو ممّن لا يحتفظون بمشاعر الود تجاه طهران .! , نشكُّ في الخضوع والركوع البريطاني المفترض .!