سمعت وقرأت الكثير عن تحليل الضربة الجوية الأخيرة للولايات المتحدة في سوريا، وشخصياً أنا مهتم ومتابع-وكتبت عن ذلك- لكل ما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب لأنه عهد يحمل الكثير من المفاجئات بحسب المعطيات الحالية، ولن يكون كلامي عن تحليل أسباب الضربة فقط بل إعطاء تصور من خلال ردة الفعل هذه عن العالم في عهد ترامب أو العالم الترامبي كما أسميته.
أُتهم ترامب في أيام الانتخابات من قبل منافسيه بأن له علاقة خاصة ببوتين وربما يكون حظي بمساعدته، وترامب كان ولازال معجباً ببوتين ولا يخفي إعجابه به، وتوقع البعض أفقاً خاصاً للعلاقات الأمريكية الروسية في العهد الترامبي وفقاً لهذه المعطيات وهو ما فهمته أوربا وتخوفت منه أيضاً خاصة ألمانيا، فصار الأمر يتم التعامل معه بحساسية مفرطة وصفتها في إحدى مقالاتي بأنها أشبه ما تكون بنسخة جديدة من المكارثية وكان أول ضحاياها مرشح ترامب للأمن الوطني.
قبل الضربة الأمريكية لسوريا كانت المعطيات تقول إن الولايات المتحدة الأمريكية تخلت عن خيار رحيل الأسد فما الذي تغير؟
ربما يبدو الجواب الأسهل هو إنها كانت ردة فعل طبيعية على استخدام السلاح الكيمياوي من قبل الأسد والذي لازال محل تشكيك من روسيا ومحل سخرية من بوتين والذي لمح إلى وجود نية مسبقة وقارن بينه وبين حجة اسلحة الدمار الشامل في العراق، ولكن مع كون استخدام السلاح الكيمياوي محل تشكيك ووجود مؤشرات على نية أمريكية مسبقة والقول-وفقاً لمسؤولين أمريكيين- بأنه كان هناك تهديد للأمن القومي الأمريكي فإن الأمر أكبر من كونه مجرد ردة فعل طبيعية لحدث استخدام السلاح الكيمياوي.
هناك من قال بأن ابنة ترامب المدللة والتي لا يخفي ترامب ولعه الجنسي بها! هي من شجعته على ذلك ويستشهدون بحماستها في النشر على توتير، وهناك من يقول إن الجماعات الدينية ولا سيما الإنجيلية منها قد يكون لها دور أو أن يكون منشئ ذلك ديني بحت ويستشهدون على ذلك بالمنشورات التي ملأ بها مؤيدي هذه التوجهات في الولايات المتحدة الأمريكية مواقع التواصل الاجتماعي وخطاب ترامب الذي كرر في مفردة (الله) والذي يراه البعض يقترب من صياغات خطاب بوش الابن.
ترامب من خلال تصرفاته وتحليل شخصيته وشعاراته التي رفعها وأهمها عودة أمريكا عظيمة وتعامله مع رؤساء الدول من منطق القوة والتبعية يبدو إنه يرى إن يحتاج جملة من الاجراءات لإثبات ذلك عملياً ولا طريق لذلك -ولتحقيق المكاسب الاقتصادية التي يراها حقوقاً لأمريكا عند الآخرين عليهم سدادها- إلا إظهار القوة الأمريكية التي بحسب تصوره وناخبيه إنها اختفت أو ضعفت في عهد أوباما، ولذا افتعل أو بالغ في ردة فعله بخصوص دعوى استخدام السلام الكيمياوي وزامن ذلك مع تهديدات واضحة لكوريا الشمالية وهي بمجموعها رسائل إلى أوربا –خاصة ألمانيا- من جهة وروسيا من جهة أخرى والصين وإيران من جهة أخرى، وقد انصاعت أوربا لذلك فأصدرت تأييدات واضحة للفعل الترامبي بينما تعاطت كل من روسيا والصين وإيران مع الحدث بشيء من الحكمة، أما الداخل الأمريكي فمنطق القوة الأمريكي لازال رسالة جاذبة للجميع فكان الحدث محل ترحيب من مؤيدي ترامب ونسبة كبيرة من معارضيه حتى إن بعض معارضيه البارزين عبروا عن ذلك بقوله إن ترامب الآن اصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية!
وفقاً لذلك فالعالم الترامبي ومع تصريح ترامب أكثر من مرة بأن السياسة الخارجية الأمريكية ينبغي أن لا تكون متوقعة-أو سهلة التوقع- أو مكشوفة، ويقصد بذلك حتى الأعمال العسكرية ، وسخريته من حديث أوباما عن معركة الموصل قبل حدوثها بأشهر، ومع وجود بوتين رئيساً لروسيا وكم جونغ أو رئيساً لكوريا الشمالية، ووجود تيريزا مي رئيسة لوزراء بريطانيا وخضوعها لترامب وميركل مستشارة لألمانيا أو خلفها-تحدثت عن ذلك في مقال “ألمانيا تبحث عن هتلر- وإحياء أردوغان للخلافة العثمانية بثوب جديد، واحتمال فوز مارين لوبان ذات الميول الترامبية المعلنة رئيسة لفرنسا واحتمال عودة محمود أحمدي نجاد رئيساً لإيران فإن العالم بوجود ترامب أو العالم الترامبي سيكون عالماً متوتراً مليئاً بالمفاجئات-الحمقاء في الغالب- وسيشهد العالم ربما مناطق توتر جديدة وصراعات جديدة تأخذ بعضها الطابع العسكري ولو جزئياً وستكون الحرب بين ترامب ومن يراهم أعداء له لا باردة ولا ساخنة بل تميل إلى السخونة أكثر ولكن ليس إلى مستوى أن تكون حرباً عالمية ثالثة، وسيشهد العالم تراجعاً في مفهوم التجارة العالمية الحرة والسوق الحر وظهور صيغ جديدة لمستوى تدخل الدولة اقتصادياً لأن العصر عصر زعامات ولا تنفع معه مفاهيم السوق الحر والدولة الحارسة، أما سوق السلاح والانفاق العسكري فسيشهد نمواً واضحاً، ولن يكون الفصل واضحاً بين المعسكرات هذه المرة ولن يكون أيديولوجياً بالمعنى الدقيق للكلمة كما كان في عصر الحرب الباردة بل هو عصر زعامات كما عبرت وكل زعيم يريد أن يأخذ من مساحة الزعيم الآخر فلا روسيا بوتين ستهتم بأيديولوجيا معينة لنشرها ولا أمريكا ترامب ولا صين شي جين بينغ بل الكل يبحث عن مصالحه الاقتصادية مع وجود طموحات زعامية هي الأقوى في حالة بوتين وترامب.
أما نحن العرب فكالعادة سنكون حطباً لهذا وذاك!