22 نوفمبر، 2024 11:48 م
Search
Close this search box.

العاطلون عن العمل مشكلة بحاجة إلى حلول

العاطلون عن العمل مشكلة بحاجة إلى حلول

تشير الإحصاءات غير الرسمية , إن هناك أكثر من مليون عاطل عن العمل في بلدنا الغني , ومفهوم العاطل هنا هو عدم توفر الفرص في أسواق العمل تكفي لسد متطلبات الحد الأدنى للعيش ( وهو ما يسمى اقتصاديا اجر الكفاف ) رغم وجود الرغبة والمقدرة أو الأهلية الحرفية والمهنية والعلمية والصحية لممارسة العمل  , وفي كل سنة تتزايد أعداد العاطلين عن العمل , لان هناك أكثر من نصف مليون مواطن يفترض أن يدخلوا إلى أسواق العمل ولكن اقل من نصفهم يجدون الفرص في القطاعات الحكومية وغيرهم والباقين يضافون لعدد العاطلين .
ولغرض عرض الصورة بشكل أوضح , فان الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة تخرج أكثر من ( 100) ألف خريج سنويا ولا تقوم الحكومة إلا بتعيين الراغبين من التخصصات الطبية والصحية والنفطية وهم لايشكلون نسبة ( 5% ) منهم , كما يدخل لأسواق العمل بحدود ( 120) ألف من خريجي القنوات غير الجامعية  والمتسربين من الدراسة أو الراسبين فيها  أو غير الدارسين بعد بلوغهم سن ( 18) وهو سن العمل المفترض لهذه الفئات , وهو مايعني من الناحية الحسابية بان العرض يحتاج لتوفير فرص عمل بحدود ( 200) ألف فرصة سنويا .
ولو كانت القطاعات الاقتصادية تعمل بشكلها المطلوب لما فكر إلا القليل للعمل في الأجهزة الحكومية لأن البعض يعدها مقيدة للحريات وقد تكون مانعة للإبداع ولا تدر مدخولات عالية لان مقدارالرواتب والمخصصات محددة بموجب القوانين , ولكن ولوجها يأتي من باب الاضطرار , ولعل المواكب لواقع الوظيفة الحكومية يتذكر بان الموظف كان يدفع الرشاوى للتحرر من الوظيفة في تسعينيات القرن الماضي , ولكن البعض قد يضطر لدفع أي مبلغ لإشغال أية وظيفة حتى وان كانت غير مضمونة في الوقت الحالي , والسبب بالطبع يعود إلى محدودية فرص العمل وتعقد مستلزمات المعيشة الآن .
ومن المؤكد إن الدولة باتت غير قادرة على تشغيل جميع العاطلين الحاليين والقادمين , لان جهازها الحكومي يعاني من الترهل لكونه يضم حاليا أكثر من ( 4) ملايين موظف والكثير منهم لاينتجون رواتبهم , وتبلغ تكلفة الرواتب لهؤلاء بحدود (4,5)مليار دولار شهريا وبما يعادل (54 )مليار سنويا , مما يعني بان إضافة درجات وظيفية في الموازنات الحكومية إنما يعني تعظيم المشكلة وليس إيجاد الحلول لها , لان الدولة لايمكن أن تتحول إلى دائرة كبيرة للرعاية الاجتماعية وهي عاجزة في الوقت نفسه عن تفعيل القطاعات المنتجة في الاقتصاد لأسباب باتت معروفة للجميع   .
والسؤال الذي يمكن أن يطرحه أي عرقي أين يذهب العاطلون عن العمل إذا كانت الوظيفة العامة لاتحتاجهم والقطاع الخاص يعاني من كساد ؟ والجواب الجاهز هو إنهم سيضافون لعدد العاطلين , ولكن هل اهتم أحدا بمسالة العاطلين لكونها تتعاظم عاما بعد عام وهل يعلم المعنيون ماذا ستخلف مشكلة العاطلين من تداعيات نفسية واجتماعية وأمنية وسياسية واقتصادية في القادم من الأيام أو الشهور ؟ وهل جاء في بال المعنيين في إدارة شؤون الدولة بان العاطلين قد يتحولوا يوما إلى مشكلة خطيرة تحدق بالمجتمع في المستقبل القريب أن لم يجدوا لها حلولا ناجعة بأقرب وقت ؟.
لقد وافق مجلس النواب على قرار يقضي بصرف مخصصات شهريا لطلبة الدراسات الجامعية الأولية وبات موضع التنفيذ منذ نهاية العام الحالي وبمقدار ( 100) ألف دينار شهريا , وهو ما أراح الطلبة وعوائلهم لان الابن (اوالبنت) خفف من أعباء العائلة من ذوات الدخل المحدود ,  كما إن الطالب وجد وسيلة يستعين بها لسد نفقات المواصلات وشراء المستلزمات وتغطية مصروفاته الشخصية بعيدا عن العائلة , ولكن الطالب وحالما يتخرج فان هذه المخصصات ستقطع عنه وإذا لم يجد فرصة عمل فان سوف لايجد من يصرف عليه لان العائلة قد استبعدته من قائمة الصرف وبعضها ستقول له انك تخرجت والمفروض أن تعطينا وليس نعطيك.
وقد يستطيع بعض الشباب من الخريجين أو الفاشلين في الدراسة أن يجدوا لهم فرصا للعمل هنا وهناك حتى وان كانت ليست تمثل طموحاتهم أو إنها تتطلب بعض التنازلات , ولكن البعض الآخر قد يخفق في إيجاد العمل حتى ولو في ( العمالة ) لان حركة العمل باتت شبه مشلولة حتى في قطاع البناء والتشييد مما يدخله في دوامة البطالة الشريرة التي لم يذق طعمها الكثير من أجيالنا السابقة , وطعمها مر وصعب وغير مستساغ لان العاطل قد يضطر للاستدانة أو التوسل لإشباع حاجاته الأساسية , والمشكلة انه قد يصل إلى حد اليأس وعدم القدرة على إيفاء حق الدائنين وعندها قد يتدخل الطفيليون وضعاف النفوس والكفرة لإدخال العاطلين في معترك الضلالة من باب الاضطرار .
إن من يفجر نفسه ويخرب الجسور ويقتل أهله وشعبه ويفخخ ويزرع العبوات قد لايكون بالضرورة قادما من الخارج فحسب ,فقد يكون مواطنا صالحا اضطرته الظروف ليكون عدوا لوطنه عندما يأس من طرق الأبواب , وقد يكون الأعداء قد تحركوا عليه بعد دراسة ظروفه فاستطاعوا اجتذابه بأغطية وأغلفة متلونة وجديدة وإغراءات مادية , ومن المؤكد إنهم يستهدفون الفئات الأكثر ضعفا في مواجهة المغريات , وكما شاهدنا في عرض نماذج من الإرهابيين في القنوات الفضائية فان بعضهم قد تم استدراجهم بمبالغ بخسة لاتتجاوز (500) دولار, دون أن ننسى بان المنحرفين يسعون للتوازن النفسي للشعور بأنهم جزءا من حالة عامة ويعني ذلك إن العاطل حين يجند للإضرار بالوطن سيلجأ لتعميم فعله على المقربين منه .
والهدف مما عرضناه هو أن نتعاون جميعا لكي نجد حلولا لمشكلة العاطلين قبل أن يستفحل أمرها مادام هناك ممن لديهم الاستعداد لصرف المليارات لتخريب العرق وإفساد توجهاته (الديمقراطية) , وبغياب الحلول الجاهزة والممكنة فلابد أن نستعين ونستفيد من تجارب الدول الأخرى , ومن ابرز التجارب الناجحة هي تشجيع الشباب للعمل في المشروعات الصغيرة والمتوسطة , فهي من الحلول الفاعلة التي كانت واحدة من  أسباب التقدم الذي تشهده الولايات المتحدة الأمريكية واعتمدا منهجا في الصين (مثلا) لان عدد سكانها أكثر من مليار نسمة ولا تعاني من بطالة مفرطة , وفي القمة العربية التي انعقدت أخيرا في الكويت تمت التوصية بزيادة الدعم لصندوق دعم مثل هذه المشروعات ليصل إلى عشرة مليارات دولار .
وقد استبشرنا خيرا بقيام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق بالتزام موضوع حاضنات الأعمال التي تتبنى فكرة إقامة مثل هذه المشروعات للخريجين إذ تم الأعمام بوجوب المباشرة في ولوجها , وكما علمنا فان هيئة التعليم التقني التي تستوعب ثلث عدد المقبولين في الجامعات الحكومية سنويا قد سجلت السبق لاتخاذ الخطوات التنفيذية لتأسيس عددا من حاضنات الأعمال في التخصصات الهندسية والإدارية والزراعية والفنون التطبيقية , والمطلوب أن يتوجه الجهد القادم للدولة في تقديم الدعم والإسناد لهذه الحاضنات بما يجعل شبابنا جزءا منها من خلال عملهم في مشروعات عمل صغيرة ومتوسطة قبل أن يكون بعض منهم في أحضان الإرهاب .

أحدث المقالات