23 ديسمبر، 2024 5:41 ص

العاشر من حزيران “سقوط الموصل” التاريخ الجديد في الذاكرة العراقية

العاشر من حزيران “سقوط الموصل” التاريخ الجديد في الذاكرة العراقية

التاريخ هو عبارة عن صورة الإحداث والوقائع المهمة التي يمر بها الشخص أو البلد في حياته وأيامه, وقد قيل من ليس له ماضي “تاريخ” ليس له حاضر, و التاريخ من المواضيع والمواد المهمة التي سيطرت على ذاكرة الزمن الحاضر واهتمت بدراسته واعتنت به الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث والدراسات، وأهمية التاريخ تكمن في تلك الحوادث المهمة الواقعة فيه والتي غيرت مسار التاريخ وغيرت كتابته, وسيطرت تلك الحوادث على عقول الكتاب والمؤرخين ولأهميتها فقد كان بنو البشر يؤرخون تقويمهم على الحوادث البارزة فيه لأهميتها وسيطرتها على الذهن ولمعرفة الزمن من خلالها, وعلى سبيل المثال فإننا نجد في التاريخ الإسلامي كانوا يؤرخون بحادثة عام الفيل لأهمية تلك الحادثة الواقعة في هذه السنة وبعد بزوغ الدين الإسلامي العظيم بدأ المسلمون يؤرخون بتاريخ البعثة النبوية المشرفة لأهميتها ولطغيانها على حادثة عام الفيل وبعدها بدأ التاريخ الإسلامي يتعامل بالهجرة النبوية المباركة وما رافقتها من أحداث ووقائع غيرت مسار التأريخ وغيرها من المواقف والتواريخ والأحداث العالمية التي سيطرة وطغت على أحداث أخرى مما جعلها تصبح جبال شامخة لا يهزها مسار التاريخ والزمن كما هو الحال في العاشر من محرم الحرام ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام سنة إحدى وستين للهجرة النبوية الذي بقى ويبقى خالد في نفوس الأحرار والثوار في العالم الإسلامي والإنساني إلى يوم قيام دولة العدل الإلهي. ومع كثرة الأحداث وتعددها في العراق والعالم وكثرة وسائل الإعلام وسهولة نقل الحدث إلا انه توجد هنالك حوادث مهمة ومفصلية في المجتمع العراقي لازال العراق يحتفظ بها جيل بعد جيل ومن تلك الحوادث المهمة هي حادثة ثورة العشرين التي انطلقت بها اغلب محافظات العراق وخصوصاً في محافظات الوسط والجنوب على الاحتلال البريطاني في سنة 1920م وما تضمنته الثورة من بطولات وانتصارات حاسمة خلدت أسماء مرجعيات وشخصيات دينية ووطنية وزعماء قبائل وعشائر عراقية.

وغيرها من الحوادث التي عصفت بالمجتمع العراقي و وصولاً إلى حادثة 11 أيلول حين تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية إلى هجوم عنيف من قبل الجماعات الإسلامية الوهابية المتشددة, حينها أدركت الولايات المتحدة خطورة تلك الجماعات فأخذت على عاتقها محاربة الإرهاب أين ما كان وبدأت في أفغانستان معقل جماعة طالبان التنظيم الإرهابي “القاعدة” بزعامة الوهابي المتطرف أسامة ابن لادن, ومن حادثة 11 أيلول أصبحت هنالك سياسة وتحرك جديد للولايات المتحدة والاتحاد الأوربي في منقطة الشرق الأوسط مما أتاح لها الفرصة في احتلال دول تحت ذريعة الإرهاب وتحت مسميات أخرى مثل الحفاظ على السلم وعدم السماح لأي دولة امتلاك أسلحت الدمار الشامل مما سهل لها الدخول إلى

الأراضي العراقية والسيطرة عليها بالكامل في صيف 3003م وقيام نظام ودستور وآلية جديدة لحكم العراق.

وفي 9/4/2003م أُضيف للذاكرة العراقية تاريخ ومسار جديد يختلف تماماً عما كان العراق عليه قبل 9/4 وأصبح هذا اليوم هو يوم نكبة وفرحة للعراق في آن واحد ففي 9/4 ذكرى احتلال العراق على يد القوات المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها المملكة البريطانية المتحدة, وهو نفس اليوم الذي تخلص فيه العراق من حكم حزب البعث الصدامي المجرم إلى حكم ديمقراطي تعددي.

ففي 9/4 تغير كل شي في العراق من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ورغم المآسي والحوادث التي جرت على العراق بعد تاريخ 9/4 لا أنها لم تستطع أن تغير من نظام الحكم والعملية الدستورية أو الانتخابية التي يعمل عليها العراق في تولي الحكم وإدارة السلطة في البلاد.

ولكن ما شهده العراق في صبيحة اليوم العاشر من حزيران سنة 2014م من حوادث والآم جراء سقوط الموصل وبعض المدن الأخرى بيد التنظيم الإرهابي داعش والتنظيمات المسلحة الأخرى عندها تغير مسار التأريخ العراقي من جديد وبدأ التخلي عن تأريخ 9/4 واعتماد 10/6 بدلاً عنه ففيه تغيرت السياسات العراقية وتضعضعت القوات الأمنية وتغيرت الطبيعة الجغرافية للبلاد وتمددت مدن وتقلصت أخرى جراء سيطرة قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان على المناطق المتنازع عليها في شمال العراق.

وأصبح العاشر من حزيران هو التاريخ الجديد الذي على ضوءه سوف تتكون الخارطة السياسية الجديدة التي سوف تحكم العراق وفيه أيضاً وقع العراق تحت مؤامرة كبرى وتم فيه الانقلاب على نتائج الانتخابات التي من المفترض يكون حكم العراق على ضوء النتائج ولكن بعد العاشر من حزيران يراد للحكومة التي سوف تُشكل في العراق أن تكون حكومة إنقاذ وطني أو شراكة وطنية وليست حكومة أغلبية حسب الطبيعة التي أفرزتها صناديق الاقتراع في الانتخابات.

وفي العاشر من حزيران تخلى الكثير من الساسة عن الوطن وذهب إلى دول الجوار أو الإقليم الكردي لكي يحتمي هنالك خوفاً من إن يحصل انقلاب بالكامل على حكومة بغداد, واخذوا يعقدون المؤتمرات والجلسات في عمان وأربيل لإضعاف الحكومة العراقية والمطالبة بحكومة إنقاذ وطني يشارك بها حزب البعث والتنظيمات الإرهابية والمسلحة الأخرى التي تسيطر على المناطق السنية في العراق.

وبعد العاشر من حزيران كشر الكرد عن أنيابهم وتخلوا عن وحدة وامن العراق وبات همهم الوحيد هو فرض السيرة على محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها, وأصبح الإقليم حاضنة لحزب البعث وأصبحت اربيل مأوى لكل من ثبتت بحقه ملفات فساد مالي ولبعض السياسيين الذين يمولون الجماعات الإرهابية في العراق أو ممن يحرضون على العنف والحرب على العراق.

وبعد العاشر من حزيران تخلى المجتمع الدولي عن العراق في حربه مع الإرهاب وباتوا يصورونها بأنها حرب طائفية وان السنة في العراق قد هُمشوا من قبل الحكومة الشيعية وان الحكومة المركزية قد أخفقت في

إشراك الجميع في حكم العراق وبات المجتمع الدولي يلقي باللوم على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لأنه لم يستطع ان يقدم النموذج الجيد في حكم العراق وانه لا بد من حاكم يحضا بقبول واسع لدى الأطراف السياسية العراقية بكل أشكالهم وطوائفهم.

وفي العاشر من حزيران أجمعت المرجعية الدينية على ضرورة الحفاظ على وحدة العراق ووجوب الدفاع ان أراضيه ومقدساته وشعبه مما حدا بإحدى المرجعيات إلى القول بالجهاد صراحةً في سابقة لم يشهدها العراق من قبل مئة عام من أجل الخروج من الأزمة الحالية التي يمر بها البلد.

وبعد العاشر من حزيران عادت إلى شوارع بغداد المظاهر المسلحة العلنية وسهل على البعض تشكيل الميليشيات والتنظيمات المسلحة مما يشعرك بالحزن والألم واللوعة والتقهقر بالعراق والرجوع به إلى عام 2006م وما شهده العراق من صراع وطائفية أودت بحياة الكثير من أبناء هذا الشعب الكريم والمظلوم على مر التاريخ والعصور جراء الاستبداد والحكم الدكتاتوري والتفرد بالسلطة والحكم بالحديد والنار.

وبعد العاشر من حزيران شهد العراق محاكمة أكثر من 53 قائد عسكري وإحالتهم للتحقيق وهذا لم نشهده قبل هذا التاريخ المشئوم, وغيرها من الحوادث والأحداث التي سوف تقع بعد العاشر من حزيران مما يشعرك بخطورة هذا المنزلق الذي نمر به.

وأخيراً هنالك جهات تريد ان تُرجع عقارب الساعة إلى الوراء ويسعى البعض إلى اعادت حزب البعث إلى سدة الحكم وهذا ما لا يرضى كل عراقي شريف وغيور على هذا الوطن وعلى أبناء هذا الشعب, وعلى السياسيين ورؤساء الكتل والسادة أصحاب القرار الجلوس والتحاور فيما بينهم وان يكون هدفهم هو وحدة العراق وشعبه والعمل من اجل إخراج العراق من هذه الأزمة والعمل على تقدم وازدهار البلد وليس على تقسيمه وتضييع ثرواته بيد الأجانب والإرهاب ودول الجوار وننتظر الفتات من صدقاتهم.