الطلاق – بعبارة بسيطة- هو إنهاء عقد الزوجية بعد أن تصل التفاهمات بين الزوجين إلى طرق مسدودة، لا يمكن معها استمرار الحياة الزوجية، أو الأسرية بسلاسة وطمأنينة، ولهذا يكون الطلاق هو المخرج الشرعي والقانوني والمنطقي لإنهاء الحياة الشاذة؛ لينطلق كل منهما لحياة جديدة بعيداً عن الحياة السقيمة السابقة.
المجتمع العراقي – كحال بقية المجتمعات- كانت تحصل فيه حالات طلاق ضمن المعدلات المقبولة في مرحلة ما قبل الاحتلال، لكن الغريب أن قضايا الطلاق بعد العام 2003، صارت تقع – أحياناً- لأسباب سياسية، وطائفية، وقومية، بل وصلت لدرجة وقوعها لأسباب غريبة، ومنها ما تناقلته بعض القنوات الفضائية – نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي عن حدوث عدة حالات طلاق بسبب انتشار لعبة PUBG الإلكترونية، وانشغال الزوج عن عائلته باللعبة، وربما كَوْن بعض النساء المتزوجات يتواصلن مع رجال “غرباء” خلال القتال الافتراضي، مما يتسبب بمشاكل متداخلة، – ربما- تصل لمرحلة الطلاق.
في الثالث والعشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي، كشفت دراسة عن ارتفاع معدلات الطلاق في العراق بمعدل عشر حالات كل ساعة خلال النصف الأول من عام 2018، إذ بلغت أكثر من (30) ألف حالة طلاق، وهنالك توقعات بارتفاع العدد إلى نحو مائة ألف حالة طلاق مع انتهاء العام 2018، وتركزت معدلات الطلاق في بغداد بنسبة ٤٤٪.
وبالمجمل يمكن إيعاز ارتفاع معدلات الطلاق في العراق إلى عدة أسباب – فضلاً عن الأسباب آنفة الذكر- أهمها:
تخلف النظرة إلى الزواج، وعدم اعتباره رباطاً مقدساً يؤسس لبناء مجتمع متماسك، حينما يُبنى على أسس قوية ومتينة.
انتشار الزواج المبكر جداً، وبالذات بين الشباب الذين يعتمدون في مواردهم على ذويهم.
زواج البنات الصغار، وهنالك كلام نقل ليّ أن بعض الأطفال بسن العاشرة يتم إقناعهن بالزواج.
تنامي الدور السلبي للمكاتب الشرعية، التي تصادق على الطلاق تفادياً لمحاولات الصلح التي يقوم بها قضاة محاكم الأحوال الشخصية.
البطالة وتقصير الرجال في توفير ابسط مقومات الحياة، وبالذات مع وصول معدلات البطالة والفقر لأكثر من 30%!
الاستخدام السيئ للانترنيت ودوره في تفتيت الروابط الأسرية.
تجاهل الكفاءة في الزواج، والركض وراء الرجال المُتَمَكِّنين مادياً دون النظر إلى تبعات هذا النوع من الزيجات!
هذه الأسباب وغيرها، يمكن أن تقود لنتائج تدميرية، من الممكن أن ترفع المجتمع لمستوى ناطحات السحاب، ثم تتركه يواجه مصيره على الأرض، وحينها لا يمكن التكهن بنتائج هذا السقوط المدوي!
سبق لمجلس القضاء الأعلى العراقي أن كشف عن وجود سبعمائة ألف حالة طلاق وقعت خلال عشر سنوات، ( 2004 – 2014)، وحينما ندقق النظر في إحصائيات الطلاق اللاحقة خلال الأعوام 2015 (52465)، و2016 (56594)، وكذلك العام 2017 (70097)، والنصف الأول من العام 2018، فهذا يعني أن إحصائيات الطلاق – منذ العام 2003- وصلت لقرابة المليون حالة!
تدقيق هذه الإحصائيات يجعلنا نفترض وجود ما لا يقل عن طفلين في كل حالة، وهذا يعني قرابة مليوني طفل، فضلاً عن مليون امرأة – غالبيتهن من صغار السن- سيكونون ضحية لهذه الظاهرة الساحقة!
هذه الأرقام تدق ناقُوس الخطر، بأن المجتمع العراقي، أو الجيل القادم سيكون في وسط أمواج الضياع والفقر والعوز ما لم تحاول الحكومة تدارك “الكارثة الوطنية” بالتعاون مع المؤسسات التشريعية والتربوية والدينية.
الخطر الحقيقي يتمثل في هدم بيوت كانت آمنة في يوم ما، وتشريد النساء، والأطفال، وبالمحصلة سيكون هؤلاء، وبالذات الأطفال، ضحية لفقدان، أو ضعف التربية الصحية، وربما سيكونون لقمة سهلة لعصابات الجريمة المنظمة، وهذه كلها معاول مدمرة لعُرى البناء والإصلاح والطمأنينة في المجتمع.
الحل الأمثل لهذه المعضلة الكبرى يتم عبر خطة وطنية تشارك فيها وزارات التعليم والتربية والعدل والإعلام والأوقاف والمالية، الغاية منها التحذير من خطورة تفشي ظاهرة الطلاق، وضرورة السعي لردم الهوّة بين العوائل “المختلفة”، وبذل أقصى الجهود لتوفير حياة حُرة كريمة للأطفال الذين لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في عوائل غير متفاهمة!
أنقذوا العائلة العراقية قبل فوات الأوان، وإلا سنكون حينها أمام حقيقة أن (الكلام في الفايت نقصان في العقل)، كما يقول المثل الشعبي!