18 ديسمبر، 2024 7:35 م

حدثتني”راحيل” عن ماهية العودة والرحيل.. وسألتني “راشيل” قبلها عن سبب “الزعل” والوعيد.. والبلاد بين أيدي “الأمير الأنيق”.. الخير فيها متدفق وكثير نسأل السميع العليم.. أن يحفظها من كل سوء وأنين.. منذ قرون وسنين.. كان جدنا الأكبر.. هنا مقيم.. وشمس “يهوه” علينا لا تغيب.. وكان “ماسين” بنا رحيما.. يقر الأجداد أنهم بأرضكم متيمين.. لجبال الأطلس ولكم مدينين.. فبعد سماع النذير والصفير.. جمعنا حقائبنا.. استعجلنا الرحيل.. نحو أرض الميعاد.. حيث الحلم المجيد.. حيث نهر اليرموك وأشجار الزيتون.. تلك ذكريات نتداولها فيما بيننا.. بكل حب واشتياق.. ما زلنا للأحفاد نحكيها.. بعد الاغتراب وتلبية النداء.. ها نحن اليوم إليكم راجعون.. ما أجمل الرحيل يا “إيزودوت”.. الأجمل أن تكون العودة للأرض أبدية.. إلى الأمام نحن متوقون.. إلى المغرب نحن عائدون.. نريدها أرضا لله.. نصلي سوية فيها.. بل قبلة تغري بجمالها العالمين.. ننزع ألغاما.. نحن بالأمس وضعناها.. نزرع ثمارا.. سلاما.. بماء الزهر نسقيها.. نجني فاكهة وطيبا.. لم يسبق لكم أن تذوقتموها.. نبني أبراجا.. بعلوها سوف تنبهرون.. على نغمات التراتيل.. ونشيد الأمل.. سوف تستيقظون.. في الغرب على الأرض ترافعنا.. في المشرق “باسم يهوه” صلينا.. صنعنا أمجادا.. سوف يحكي التاريخ عنها.. بل صنعنا رجالا.. أعطوا للحجارة قيمة.. أما في المغرب.. فبعيد الشموع احتفلنا.. بكل افتخار هتفنا.. “هنا تحقق حلمنا يا موشيا”.. رقصنا رقصة الأعلام.. اخترنا للعودة عنوانا.. بصوت ملائكي غنينا أعادها الله نورا علينا.. كنا بالأرض مولعين.. كنتم لطلعتنا مرحبين.. سنرتب الأمور ترتيبا.. سنقوم بالواجب عنكم بديلا.. نتلو بنودها على مسامعكم ترتيلا.. فهل لجسامة الأمر.. أنتم مدركون؟.. وكيف لا ؟.. ونحن على مصالحكم دوما حريصون.. لن تكون هناك حروب نخوضها.. ما دمنا سنقف لها مقاومين.. لعالم جديد نحن تواقون.. وللفساد نحن مثلكم مناهضون.. اطمئني يا “إزودوت”.. بجوار ربك نحن مصطفون.. اشهدوا يا ذوي الألباب.. قد دخلنا الأرض فاتحون.. ابشروا يا ذوي الألقاب.. ها نحن إليكم اليوم عائدون.. مدوا البساط.. بالورود هيا استقبلونا.. لن نضع حدودا لخرائطنا.. لن تثقل الأديان كاهلنا.. كلها أوجاع سوف نشفى قريبا منها.. لا حاجة أن ننسى.. أو حتى نتذكر مآسينا.. لا تضيعوا في الجدال وقتا.. عن أحوالكم هيا اخبرونا..
فبعد صمت طويل.. وتفكير ملي.. دام قرابة قرنين.. شرعت في تقديم أجوبة للسائلة “راحيل”.. قبل ذلك بقليل.. قمت بتقديم توضيح بسيط.. أشرح فيه مفهوم العودة ودواعي الرحيل.. مقرونا بضرورة سرد الفوارق.. بين “الرحيل والرحيل”.. فالأول يسكنه “الأمل” عمره دام ألف عام.. بينما الثاني، تحكمه “خيبة الآمال”.. هجرة الغرب إلى الشرق.. كان بدافع الإيمان.. “ميلاد” و”ترحيل” نحو أرض الميعاد.. تنفيذا للوصية.. إيذانا للفرح وكسب البركات.. بينما رحيل الجنوب إلى الشمال.. مغامرة نحو العدم.. حيث حقيقة الفناء ووهم الحياة.. رحيل “راحيل” يحمل في طياته “أملا كبيرا”.. بينما رحيلي “أنا” فحزنه عميقا.. لم أجد للبقاء مبررا.. يعفيني من قسوة “اللا مكان”.. ولم أجد في العودة متعة تحملني نحو الحياة..
رحلت “راحيل” وعادت لعادتها.. قالت لم تنس الجميل.. رحلت “راشيل” لم تعد.. أخذت معها عقد (عقل) الأمير.. رحلت “أنا” أقسمت باليمين.. ألا أعود حتى ولو كلف الأمر الجحيم.. رحلتم.. فأحسنتم.. عدتم.. فأخفقتم.. فليس كل رحيل “أمل”.. وليس كل عود “أحمد”.. تذكري يا “راحيل” هذا جيدا.. أما عنك يا عزيزي القارئ.. انتظرني.. فالحوار ما زال طويلا.. (يتبع)