23 ديسمبر، 2024 1:34 ص

الظواهر البنائية في مجموعة(تكرار اخطاء الاولين)

الظواهر البنائية في مجموعة(تكرار اخطاء الاولين)

ان القراءة البنيوية للنص تبدأ من ملاحظة الظواهر التي تغلب عليه وتأطيرها ثم محاولة تحليل هذه الظواهر وفق اجراءات معينة.
في المجموعة الشعرية(تكرار اخطاء الأولين) للشاعر سجاد إبن فاظمة والصادرة عن دار” هن” في القاهرة2018.يمكن ملاحظة ثلاث ظواهر تتميز بها نصوصه.
الظاهرة الاولى هي الشكل البنائي للنص، حيث يعتمد الشاعر في بناء جملته الشعرية على تقنية معينة تتكرر كثيراً في اغلب النصوص وتشكّل علامة واضحة في أجواء المجموعة وهي ان تكون جملته(جملة إسمية) في الغالب تحمل نبرة تعريفية ذات تركيب يشبه المعادلة الآتية(مبتدأ+خبر+ملحق يتكون من صفات ويليه احيانا جمل فعلية=معنى، دلالة). ملحق الصفات اما يكون من داخل الحقل الدلالي لمفردة المبتدأ بحيث تكون وظيفة الجملة الكلية تعريفية غير انشائية”النوم اغفاءة يقظة لموت مستمر “من نص (سرنمة). او ان يكون ملحق الصفات او الجملة الفعلية من خارج الحقل الدلالي ليتحقق بذلك انزياح معنوي مع الحفاظ على نبرة التعريف، وهذي سمة الكثير من النصوص (مثل الغيب)ومنه” الغائب اغواء للوهم وحبل يلتف على اعناق الوعي”
وكذلك في نصي (معجم١) و(معجم٢) المبنيين كلاهما على شكل تعاريف:
الذاكرة: صندوق اجوف..
الرغبة: حيتان نافقة..
الحياة: فنار أحدب..
الوطن: اقصوصة شيقة…
وكذلك في نص صفر “شرطي المرور روبوت يتنفس زفير السيارات”.
بعد ذلك لن نتفاجأ حين نرى في النصوص الأخيرة للمجموعة نص يحمل اسم( تعريف) ويكون مبنياً بالطريقة التي أشرت إليها، متضمناً تعريفا بديعاً للانسان”الانسان غبطة الانتقاء” ليكون هذا النص ترسيخاً وتأكيداً على اسلوب البناء الذي يعتمده الشاعر.

الظاهرة الثانية هى مدى انشغال الشاعر بفكرة(الوقت/الزمن) والذي نلمسه من خلال تكرار مفردتي الوقت و الزمن او ما يوازيهما بغض النظر عن اختلاف المفاهيم،فاليوم او الايام في داخل النص هي وحدات زمنية،كذلك (الأبدية) تأتي مقرونة بعبارة لها صلة بالزمن “الزمن يتأبد عند عتبة بوابة مقفلة” من نص (ال شيء) وفي النص التالي(بصرك اليوم حديد)” الزمن الدائر حول نقطة الزوال” وبذلك تشكل فكرة الزمن، التي ليس لها مفهوم محدد وثابت، همّاً لدى الشاعر الذي حاول تعريف مواضيع كبرى مثل الوطن والحرب والحياة والذاكرة لكنه لم يعرّف الزمن، بل بقي الزمن عنده هو السؤال الذي يفتتح به النص او الجواب الذي ينهي به الفكرة او الجملة العرضية التي توضح لبس ما، كل هذا دون ان يمنح تعريفا للزمن كما فعل مع بقية المواضيع.

الظاهرة الثالثة هي تنوّع مصادر الصور الشعر بين الذهنية المجردة والخيالية المجسدة، وبذلك تتسع مساعيها الى تحقيق التأثير على المستوين النفسي والدلالي. يعتمد في اثراء هذا التنوع على صياغة تراكيب الصورة بطريقة لا تبتعد كثيرا عن نوعها، نوع الصورة. وعند فحص الصور الشعرية التي تعود الى مصدر ذهني، نراها تتسم بصبغة لغوية تعريفية، اي ان تركيب الجملة يتحمل مسؤولية التعريف بمفهوم ما. بمعنى اخر ان التركيب ينحاز الى الفكرة اكثر، وتصبح غايته ايصال ما وراء الصورة بحدود اللغة فقط،اي ان عملية التصور تكون داخل الحدود اللغوية للصورة ولا تذهب ابعد من غاية ايصال المفهوم كما في نص (داخلك زعنفة):
“لا تدرك السمك ماهية الماء
وتجهل انها سابحة فيه…
(تفتق المعرفة مرتبط بانتفاء المألوف)
انتبه الى فمها الحلقى بعد اخراجها منه
وهي تستجدي ذلك السائل المتأخر بالإدراك”
وكذلك في المقطع الأخير من نص (اخيلة الماء):
“وجهك المائي الذي يتراءى على صفحة الماء
هو وجهي حين الاتساع في خاصرة الجمال
ومغزى لعبة الوجود””
إما الصور التي تعود الى مصدر ذهني خيالي فان تركيبها اللغوي يلتزم بشروط الاثارة النفسية من خلال اختيار المفردة ذات الأثر الحسي الأقدر على تحفيز التخيّل،دون تحمل عناء غاية تفهيمية مثل مفردة(مزلاج) في افتتاحية نص(ليس للمعماري يد في الحانات):”انا بواب هذه المدينة المقفلة من الخارج بمزلاج التاريخ القديم”.
مما يجدر بالذكر انه بالاضافة الى أدوات التشبيه(مثل، كما، كأن) فان الشاعر يجد طريقة غير تقليدية تثري نصه وتمنحه اصالة خاصة وذلك باعتماد كلمات التشبيه نفسها(مشابهة لتلك الومضة…، لأننا اشبه مايكون بهواة جمع الطوابع النادرة…، تجويف أشبه بالمقلاة) وبهذه الطريقة يحقق فرادة تقي النص من الاغراق بدارت التشبيه التقليدية