22 ديسمبر، 2024 6:59 م

عاد للعراق متلهفا بعد أن غادره مضطرا قبل سنين، حيث كانت أجهزة القمع البعثية تطارده وتريد أن تنال منه، لأنه كان يجاهرها علنا برفضه لها جملة وتفصيلا. لم يصفق يوم زار نوري فيصل شاهر وزير الشباب والرياضة ، ممثلا عن الدكتاتور منطقته ووضعوا له كرسي على سطح مدرسة أكثم بن صيفي للبنات. وكان كما هو شأنهم، يأمروا جميع المدارس بالأغلاق والحضور طلابا ومدرسين، لاستقبال القادم اليهم من بغداد. جاء مع زملائه الآخرون، مضطرا ووقفوا مقابل ذلك النكرة، حيث ترائى له ذلك المشهد كما لو ان قردا قد أعتلى سطح المدرسة ويراد له التبجيل. وهناك في وسط الشارع رمقهم كبير البعثية وهو يجول، ونظرة الحقد تتطاير من عينيه، موجها بتجهم، سؤواله لهم: (لماذا لا تصفقوا؟) وآمرا لهم بالتصفيق. لم يصفق يومها أحد منهم وبدوا يجيبونه مبتسمين بسخرية تكاد تطفح ألوانها البريئة من خلال ابتساماتهم ونظراتهم الجريئة. تحدوا كبير البعثية وقهروه يومها فما كان منه إلا أن رد عليهم بصوت عال:(أي صورة سينقل عنا ممثل السيد الرئيس، صفقوا) ولم يصفق أحد منهم.
كان كبير البعثية هذا يقود بنفسه حملات المداهمة لأعتقاله، فيأتي مع مجموعة من المسلحين في سيارة التويوتا ذات الدفع الرباعي البيضاء اللاندكروز ويطرق الباب بقوة مطالبا خروجه من الدار التي ضمت عماته وأعمامه وزوجاتهم واولادهم الصغار. لم يسلم لهم نفسه، ولم يشأ أعطاءهم أعطاء الذليل، وفعلا ولحسن الحظ كان بيت العائلة له بابا آخر يخرج منها من دون أن يراه أحد من أفراد المفرزة الذين كانوا يتجمعون على الباب الكبير. كان يتذكر المرات التي اعتقل بها، فمرة بات ليلة عيد الاضحى وهو موقوف بسبب مواقفه المعارضة، لكنه عرف جيدا فهذه المرة سيكون الموقف مختلفا إن أمسكوا به، لن يرى النور. أن مشيئة الله هي التي تسود، ولهذا كان خروجه من العراق سببا في بقاءه على قيد الحياة، بل كتب الله له عمرا جديدا بذلك الخروج. يومها كان الدكتاتور صدام قد أمر بأن جميع موافقات سفر المعلمين والمدرسين تحصر بيد الوزير حصريا والغى بذلك صلاحيات المدراء العامين. فكر مليا وجاءت لحظة الالهام في عقله أن الوزير سوف لن يزود المدرس بكتاب الموافقة بالسفر معنونا الى مكتب الجوازات مباشرة، بل أنه يضع هامشه بالموافقة او الرفض على طلب المدرس ومن ثم يمنح على ضوء تلك الموافقة كتابا للجوازات من مدير عام دائرته. حمد الله وشكره على انه كان لديه هذا الكتاب قبل أشهر، والآن عليه فقط ان يغير الشهر فقط. وفعلا فقد اجرى على الكتاب بعض التغييرات الضرورية وقدمه الى مكتب الجوازات وحصل على جواز سفره الاول. بعد سفره الذي احدث ضجة كبيرة ووصل صداه الى اسماع رأس النظام، قرر الديكتاتور إعفاء وزير التربية من مهامه، حيث تسبب بطرد الوزير حكمت البزاز.