17 نوفمبر، 2024 1:49 م
Search
Close this search box.

الظلام صديق العشاق!

الظلام صديق العشاق!

هكذا علق الظرفاء الروس؛ على تحذير السلطات؛ من إضاءة المصابيح المحمولة تضامنا مع المعارض نافالني وعقيلته يوليا في عيد الحب “فالنتين”.
ومع تصاعد حملات الملاحقة وزج النشطاء في مراكز الاحتجاز، بتهم مختلفة، فان السلطات، تضاعف من الهجوم الاعلامي على نافالني، وتكرس القنوات التلفزيونية الرسمية، مساحات كبيرة من برامجها، للتشهير بنافالني و”صندوق مكافحة الفساد” الذي يترأسه، والمصنف وفق وزارة العدل الروسية على انه عميل أجنبي، وتلزم وسائل الاعلام بإدراج التسمية مع كل مرة يذكر فيها اسم الصندوق.
وفيما تفرض السلطات الإقامة الجبرية على أبرز أعضاء فريق نافالني، وتمنعهم من التواصل مع وسائل الاعلام، وتصادر الهواتف النقالة، وأجهزة الكومبيوتر، فان صحف ومحطات وقنوات المعارضة وبرامج المدونيين على يوتوب؛ تواصل نشر تقارير ومقابلات مع حقوقيين ومعارضين، ينددون بحملة الاعتقالات التي يرى مراقبون، إنها وسعت من القاعدة الشعبية لنافالني التي كانت قبل اعتقاله في المطار عائدا من رحلة العلاج في مشفى برلين، لاتزيد عن الخمسة بالمئة في عموم روسيا، ليزداد عدد مؤيديه وفق آخر إستطلاعات الرأي الى الضعف تقريبا .
الاستطلاعات تشير ايضا الى ان واحدا من كل أربعة في روسيا؛ شاهد فلم ” قصر بوتين”؛ فيما سمع حوالي أربعين بالمئة من المستطلعة آراؤهم بالفلم، وتجاهله الاخرون.
ومع كل محاولة في وسائل الإعلام الرسمية ، لفضح نافالني، والسعي لإثبات ان حكاية القصر المزعوم، لا أساس لها، فان أعضاء فريق نافالني خارج المعتقل، يقومون بإنتاج أفلام وثائقية قصيرة، تتضمن ردا بالصوت والصورة على ما يعتبرونها ” أكاذيب الكرملين وصحافته”.
المفارقة، ان حملة التشهير الرسمية؛ ضاعفت من عدد المشاهدات لفلم نافالني” قصر بوتين” لتصل في الأيام الأخيرة الى اكثر من 110 مليون مشاهدة في روسيا وخارجها.
لقد غيرت السلطات تكتيكها السابق القائم على مبدا، تجاهل نافالني وفريقه، وإظهار أكبر قدر من الازدراء والاستهانة بنشاطاتهم، ووزنهم السياسي.
فالى فترة قريبة نسبيا؛ استنكف المتحدث بإسم الكرملين، الحديث عن نافالني بالاسم؛ بل كان ينعته على هدى الرئيس بوتين ” مريض المشفى البرليني” او” المدون ” او
” الفاسد”.
لكن ديمتري بيسكوف، أخذ بعد تصاعد الاحتجاجات الداعمة للمعارض الذي بات يوصف داخليا وخارجيا بانه الأبرز في روسيا؛ يتعامل مع أخباره بالأسم ، دون التراجع عن نهج التقليل من اهميته او شعبيته، والتركيز على انه عميل للأجهزة الأجنبية، الأمر الذي ورد في اكثر من مناسبة على لسان الرئيس بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، وصار الوصف عنوانا، لكل زعماء الاحزاب الممثلة في مجلس الدوما ( النواب) الروسي،بمن فيهم غينادي زيوغانوف، زعيم الحزب الشيوعي الروسي، مع انه هدد بتحريك جماهير الحزب ردا على احتجاز السلطات لأحد نواب كتلة الحزب في الدوما ، تعاطف مع الاحتجاجات الداعمة لنافالني.
الملفت ان حملة الاعتقالات، ومصادرة أجهزة التصوير و الكومبيوترات ، من مكاتب ومنازل، فريق نافالني، وكذلك أحكام التغريم بمبالغ تترواح بين مئتي دولار والف ، بحق المشاركين في التظاهرات غير المرخصة، أدت الى توسع رقعة المتبرعين لصندوق مكافحة الفساد.
واستنادا الى تصريحات عدد من فريق نافالني الاعلامي المقيمين خارج روسيا، فان متبرعين، يتولون إرسال مبالغ مالية، لتعويض الأجهزة المصادرة، ما يعني ان تبرعات نشطاء نافالني،تمثل، وفق رؤية مؤسس الحزب البلشفي فلاديمير لينين للتنظيم الحزبي ،لبنة أساسية في بناء الحزب الثوري.
المعروف ان الاحزاب الشيوعية، في ظروف العمل السري، تعتبر اشتراكات الأعضاء المالية والتبرعات ؛ مهما كانت متواضعة؛ ، مؤشرا أساسيًا على شعبية والتفاف الجماهير حول الحزب.
وهكذا من المنتظر ان يتشكل تنظيم، يحمل مواصفات الحزب، حول نافالني الذي لا ترغب الجماعات الليبرالية ذات الميول الغربية ، او من توصف بأنها أوربية النزعة، التحالف معه ضد حزب “روسيا الموحدة”، ذا الأغلبية الكبيرة في مجلس الدوما، والمهيمن على إدارة الدولة.
زعيم حزب ( يابلوكو) أقدم حزب ليبرالي يشارك في الانتخابات النيابية منذ انفراط عقد الاتحاد السوفيتي، غريغوري يافلينيسكي؛يرى في المعارض رقم واحد قوميا متطرفا بل نعته بالفاشية في مقال نشره مؤخرا، وأثار غضب عدد من أنصار الحزب الذين اعلنوا انهم لم يعودوا يوالون حزب ” يابلوكو”.
اما الأحزاب الليبرالية الاخرى على النمط الأوربي، فانها تعتبره قوميا شوفينيا لانه أسس فيما مضى حركة
” المسيرة الروسية” التي ترفع شعار “روسيا للروس “.
او اشتراكيا، لانه يدعو الى الغاء الخصخصة في روسيا، ونزع ثروات طبقة الأوليغارشية المسيطرة على اهم قطاعات الاقتصاد الروسي، حسب المعارضة .
واضح ، ان الحكومات الغربية، والمنظمات السياسية في أوروبا، غير معنية بنهج نافالني السياسي الذي قد يتقاطع مع التوجهات الأوربية، سياسيا واجتماعيًا؛ الامر الذي يدفع بالرئيس بوتين الى التاكيد بان المعارض المسجون بتهمة الاختلاس من شركة فرنسية لمستحضرات التجميل تعمل في روسيا، “مجرد ذريعة لمعاقبة روسيا على النجاحات التي حققتها وتحققها في شتى المجالات واخرها لقاح “سبوتنيك v” المعترف دوليا بنجاعته الفائقة.
وشدد بوتين في لقاء مغلق مع رؤساء تحرير أبرز وسائل الإعلام الروسية، ونشرت إدارة الكرملين مقاطع منتقاة منه::
“روسيا أمة شابة ،تحمل في جيناتها، طاقة الصعود”.
وقال” الدماء المختلطة في الأمة الروسية ميزة تتفرد بها”.
وأضاف ” ولذلك يحاربوننا عبر هذا الشخص وأمثاله”.
ويعترف بوتين في نفس الوقت بان الاحتجاجات، تنطلق لأسباب موضوعية، وليس بسبب هذا
” المدون”.
وربما تحدث الرئيس الروسي عن موضوعية تلك الاسباب؛ بتفصيل اكبر مما تسرب على شاشات التلفزيون خلال اللقاء المغلق الذي حضره 35 صحفيًا.
وفيما تعتقد غالبية المراقبين، ان صورة البطل؛ الذي لا يهاب الموت او السجون، تمنح نافالني؛ موقع القيادة لحركات الاحتجاج، خاصة وسط الشباب المندفعين، فان علماء إجتماع معروفين، لا يتوقعون، هزة قوية في روسيا، يقودها أنصار
” مدون ” لم يعد يملك في المحبس أدوات التأثير على الرأي العام، او صياغة توجهات الناقمين على حزب “روسيا الموحدة” ؛ الى حد اخراجه من سدة الحكم.
ويشار الى ان حركة الاحتجاجات لن تكتسب طابعا شعبيا عارما ، يقلق الكرملين؛ لكنها ستشكل أحد أبرز عوامل انحسار مواقع حزب روسيا الموحدة، وخسارته المقاعد في الدورة القادمة للانتخابات النيابية.
ولعل الضرر الاكبر، لحركة الاحتجاجات، سياتي من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة. فمنذ اعتقال نافالني الذي يتهم الأجهزة الامنية بتسميمه؛ والقيادات الأوربية، خاصة في المانيا وفرنسا؛ وكذلك إدارة بايدن تطالب باطلاق سراحة، وفتح تحقيق في حادث التسمم.
وتقول السلطات الروسية، إنها لم تتلق من المستشفى الألماني تقريرا عن حالة” مريض المشفى البرليني” بما يساعد على فتح تحقيق جنائي. فيما اعلنت ثلاث مختبرات في المانيا وفرنسا وسويسرا انه تم العثور على مادة” نوفوتشوك” السامة في دم نافالني، وان منظمة تحريم الاسلحة الكيمياوية، صادقت على التقرير.
ومع ان سلسلة العقوبات، المفروضة على موسكو، منذ انضمام شبه جزيرة القرم عام 2014 الى روسيا، واندلاع القتال في الأجزاء التي تقطنها أغلبية روسية باوكرانيا المدعومة من الحكومة الروسية ، لم تؤثر على قوة وشعبية الرئيس بوتين الذي اعتبر المقاطعة الاقتصادية ” ضارة نافعة” لجهة تعزيز الصناعات الوطنية؛ الا ان دول الاتحاد الأوربي، وواشنطن تتوعد بعقوبات اقسى، تطال كبار رجال الأعمال في روسيا عقابا على دعمهم للرئيس بوتين.
ويتعرض فريق من الاولغارشيين الى حملة منظمة من ” صندوق مكافحة الفساد “. اذ سلطت كاميرات فريق نافالني عدساتها على ما تعتبره المعارضة سرقة لأموال الشعب الروسي.
في الحواري، وباحات العمارات السكنية، أضاء مؤيدو نافالني المصابيح المحمولة، تلبية لنداء
” الحب أقوى من الخوف” في عيد القديس فالنتين.
اعداد قليلة، ومتباعدة في طقس يصل الى ناقص 15 مئوية.
يتدفأ المحتجون، بالحب كما يرددون، فيما تنتظر روسيا ربيعا حارا وفق تقديرات المراقبين السياسين.

أحدث المقالات