متى تحيا ، و تخرج من معرفتك العظيمة ؟
عسى أن تتنفّس شيئا من الضوء
لتشاركني البكاء على الحياة
أما زلت في صقيعك المقيم ؟
مدجّجا بحكاياتك الأولى
الا ترغب يوما في البكاء معي على العراق ؟
خمسون عاما و النخلة تستباح
و عيون الدعاة صمّاء متلذذة .
ليتك تخطئ يوما ، و تتخلَّى عن معارفك الخالدة و تتلمّس عبق النور
لعلّك ترى شيئا مما أضاعه الزمن الأعمى
*
كنتُ طفلاً
حينما سرق الظلام بهجة المساء
في الصبح نحر الشمس
وعند الظهيرة هدّم روح الكون
و في الغروب جلس فوق التلّ يستريح بعد أن أنهى مهمّته الباسلة
كان جدّي يعلمنا الضوء
يبحث عن فتات النور في الزوايا و المخابئ
كم قد رأيت أرواح القمح تسحقها الأيدي العابثة
كلّ شيء كان جرماً حتى الحلم .
خوف مقدام سلب بغداد روحها
و أنت لا زلت – الى الآن – ذلك العارف الخطير ، تسطّر الأمجاد .
*
ثم بأيديهم الكبيرة أسقطوا نخلتي ، لقد هشّموا صدرها ، و أداروا ساعة الزمن ألف عام
أرامل و أيتام و عويل طويل
سنين من الحرب و النزيف
و خلف الأسوار، هناك ، صوت لا قلب له
كأنّنا قتلنا آلهته الحبيبة
لطالما بحثنا عن فمٍ ، عن كلمة
( الرحمة بهذا الشعب ،
كفى هذا الصقيع الأحمر )
لا أحد أبدا ، الكلّ يتلذذ .
*
ثم كانت الحماقات العظيمة
تشريد مدن البحر
لا تجد أحدا يدفع الثمن سوى أرواحنا المتعبة .
سنين من القحط
أجساد خاوية تمشي في الشوارع
كل شيء تلاشى ، لا خبز لا أغنية
حصار ينهش عظمنا
و العالم الأعمى يلبس نظاراته البرّاقة و يتبجّح بالعدالة و الحكمة
*
ثم حلّت أيدي الغرباء
بإسم الحريّة و الربيع الباسم
تحصد ما تبقى من سنابل القمح
و كانت قصّة أمل و نداء
( يرحلون و نبقى ).
*
قدرنا أنّنا نخلة
وأنّنا عراق
ذلك الجريح المقدّس
ليس لشيء ، سوى أنّه سيّد و رسّام قدير
*
بعدها ، أقحموا الدمى تعبث في المكان
أصوت تتعالى ، أقاليم مشرقة و إنفصالات زاهرة ، و تقسيمات لجسد الكعكة الحبيبة
وسط أنين مقيم و ركام من الجرحات و العمى
*
ثم كانت آلة الموت
مفخّخات أطربت مخيّلة الجالسين في الظلّ ،تغتال الطفل و الزهرة اليافعة
و بدأ الفصل الكبير
بإسم السماء ، و الخروج عن الشريعة
نُذبَح كالخراف ، و العيون تتلذّذ ،و تصفّق
كنتَ تظنّ أنّك بعيد
لكنّهم اليوم في دارك ، و كما ترى يحطّمون الأمل و الأغنية
و يسرقون وجودك كلّه
أخبرني
متى تحيا ، و تخرج من معرفتك العظيمة ؟
عسى أن تتنفّس شيئا من الضوء
لتشاركني البكاء على الحياة .
ليتكَ تخطئُ يوماً و تشاركني البكاءَ على الحياة .
قصّة الحضارة بقلم ويل ديورانت
قصّة الخراب بقلم أنور غني