قرأتها بالتركية وأحببت نقلها إلى العربية لما كانت للحكاية من تأثير كبير في نفسي وقد استنبطت منها عبر كثيرة. الحكاية اختصرت مدلولات كثيرة أوجزها هنا عسى أن أنقل شيئاً منها.
شخص متدين متلحي يحرص على إقامة الصلوات في الجامع. يروي أنه دعا إمام المسجد إلى الغداء في بيته. هذا الإمام محبوب من قبل الجميع لما يتحلى به من خلق رفيع وورع بالغ وإلمامه بأمور الدين والدنيا وإحاطته بالعلوم الفقهية. ولصفاته هذه كانت الأهالي دائماً ما يسعون إلى مجالسته ودعوته إلى بيوتهم والاستفادة من فيض علومه.
بعد أن تناول الرجل وزوجته وجبة الغذاء مع إمام الجامع، جلسوا معه لشرب القهوة في صالة البيت. بدأت الصحبة مع الإمام وتبادلوا أطراف الحديث معه. جهد الإمام كعادته في الإجابة على جميع الأسئلة الموجهة إليه دون تردد وملل حتى انتهت المعية وهمّ الإمام بعد ذلك إلى المغادرة.
بعد توديع الإمام اكتشفت الزوجة أن مبلغاً من المال كان موضوعاً على الطاولة جنب الكرسي الذي جلس عليه الإمام قرب النافذة قد اختفى. بدأ الرجل وزوجته بالبحث عن المال ولم يتمكنوا من إيجاده. قالت الزوجة لزوجها:
– لم يكن في البيت سوانا ولم نستقبل أحداً غير إمام الجامع فإين ذهب المال؟!
ليس للزوج إلاّ أن يفهم مما تقوله زوجته سوى أن الإمام قد سرق المبلغ الموضوع على الطاولة التي جلس بجانبها. ساءت ظنهم بالإمام حتى أصبح الرجل يذهب إلى المسجد في أوقات الصلاة دون أن يسلم على الإمام ودون أن يجالسه. أصبحت نظرات الرجل إلى إمام المسجد هذا نظرات حقد وتحامل وهو يكاد أن ينال منه.
بعد ستة اشهر لم يستطع الرجل الصمود تجاه مشاعر التنافر المتولدة في نفسه تجاه الإمام حتى اقترح على زوجته أن يدعوا الإمام إلى البيت من جديد كالمرة السابقة وأن يكشف أمره ويطلب منه إعادة المال وإلا سيعملون على فضحه بين الناس.
كان لهم ذلك وقد قبل إمام المسجد الدعوة وجاء إلى البيت. الرجل وزوجته يتهيؤون لكشف إمام المسجد واتهامه بالسرقة وهم يبحثون في السبل الكفيلة لإرضاخ الإمام وذله.
حضر الإمام إلى بيت هذا الرجل وجلس في نفس المكان السابق قرب النافذة. ولم تستطع زوجة هذا الرجل عليه صبراً حتى تفوهت:
– أيها الشيخ.. زرتنا في المرة السابقة ولم يكن في البيت سوى أنا وزوجي وأنت. وكان لنا مبلغاً من المال موضوعاً على الطاولة التي بجانبك. إلا أن المال قد اختفى.
صعق الإمام بهذا الحديث ولم يستطع الإجابة إلا بعد دقائق صمت. الرجل وزوجته يعزون سبب الصمت هذا إلى مدى الصدمة الكبيرة التي مني بها الإمام بعد أن كشفوا أمره واتهموه بالسرقة. وبعد دقيقة صمت قال الإمام:
– أنا لا أتمكن من التعبير عن الغل الذي أصابني والأسف الذي أشعر به بعد هذا. لكن كل ما أشعر به من بأس شديد ليس لاتهامكم لي بالسرقة أبدأ ولا لصدكم عني في المسجد ونظراتكم التي كانت تشع ناراً. بل لأجل اكتشافي بأنكم لا تقرؤون كتاب الله.
الزوج وزجته يستمعون إلى رد الشيخ إمام المسجد دون أن يجدوا الرابط بين اختفاء المال وبين قراءة القران الكريم حتى استرسل الإمام بالحديث:
– عندما أجلستموني على هذا المقعد كانت الرياح التي تهب من النافذة قوية حتى تطايرت الأوراق المالية من على الطاولة. قمت بجمعها ووضعها بين صفحات القران الكريم الموضوع على الرّف هنا. أقسم لكم بأن حزني وأسفي الأن ليس لأنكم ظننتم بي ظن السوء أو نظراتكم لي كسارق، بل هو لاكتشافي أن عائلة دينية مثلكم لم تفتح القران الكريم كل هذه المدة ولو لمرة واحدة. فلو كنتم قد قرأتم شيئا من القران لوجدتم المال بين الصفحات.
هكذا خرس الرجل الذي يدعي الدّين والتدين هو وزوجته أمام إجابة الإمام وبعد أن كانوا يعملون على النيل من إمام المسجد وفضحه أمام أهالي المحلة واتهامه بالتمثيل عليهم واستغلال موقعه كإمام للمسجد. اكتشف الزوجان بأنهم هم من يمثلون دور المتدين بأطلاق اللحى وتضليل الناس واستمالة القلوب وهم في الأصل لا يقرؤون شيئاً من كتاب الله. فالأشياء ليست كظاهرها.