23 ديسمبر، 2024 3:28 م

اذا كانت فاتورة ” طفل ” من أطفال أحد النُواّب العراقيين تبلغ أربعة ملايين دينار ، فكيف يجبُ أن تكون مكافأة جندي عراقي بطل ، قَتَلَ ثلةً من التكفيريين وفجَّر سيارتهم المفخخة .
إن المكافأة التي تقرر منحها إياه هي ثمن (1/8) كلفة المكالمات الهاتفية التي أجراها الطفل المذكور …
وبلغة الأرقام :
انها فقط (خمسمائة ألف دينار عراقي )
والمحزن والمثير حقاً :
انها بالرغم من قلتها ، لم تُدفع له اصلاً …
انه يُمَاطَلُ حين يُطالبُ بها مرّة بعد مرّة …
والأنكى من ذلك :
انهم قطعوا الراتب عنه ، شهراً بعد شهر ..!!
فكان يُضطر الى مزاولة اعمال البناء، ضمن أيام اجازته، لكي يستطيع ان ينهض بأعباء مسؤوليته عن بيته وأسرته …
والسؤال الآن :
كيف يُعتمدُ (التأجيل) بدلاً من (التعجيل)، في مثل هذه الحالات التي لاتحتمل بطبعها تسويفاً ولا تأجيلا .
ان (التكريم) هنا انقلب الى عملية (معاقبة) شديدة، تعدى نطاقها شخص الجندي البطل الى تمام أفراد عائلته ، وهو أمر بالغ القبح والشناعة .
وفي حديث رائع للامام الصادق (ع) يقول فيه :
{ لايتم المعروف الاّ بثلاث خصال :
بتعجيله ، وتصغيره ، وستره }
(فالتعجيل) هو أول ما تجب المبادرة اليه من هذا المقام ، في حين انه انقلب الى (تاجيل) وتسويف ، وغيّر معالم القضية كلها بشكل قبيح ، ودون اي مبرر …!!!
يشهد الله أني لا أعرف هذا البطل لا من قريب ولا من بعيد ولكني احيي فيه روحه الوطنية ، ووقفته الانسانية ، وشجاعته المتميزة …
وقد تألمتُ كثيراً حين علمتُ انه اضطر الى تقديم استقالته ، وتوّجه الى عمل آخر ..!!
إنّ مَثَلَ هذا الجندي البطل ، مَثَلُ الطالب الذكي المتفوق ، الذي يُطرد من المدرسة لا لشيء الاّ لأنه كثير المناقشة لبعض معلميه ..!!
انهم بَدَلَ الاعتزاز به ، تآمروا عليه ….
فلن يروق لهم ان يسطع نجمُ طالبٍ متقد الذهن ، عظيم الذكاء ..
انها لمفارقة عجيبة ، تدعونا للمطالبة بمحاسبة كلّ من تسبب في حجب وصول المكافأة النقدية الى ذلك الشهم الشجاع النبيل ، المدافع عن وطنه واخوته المواطنين ، ومن أحجم عن صرف رواتبه الشهرية واضطرهُ الى الاستقالة .
اننا أمام (جندي معلوم) ، بالغِ الوطنية والمهنية ، والشعوب الحيّة ، تقيم (للجندي المجهول) النصب التذكارية، لتعرب عن عظيم تقديرها واعتزازها بانجازاته ومواقفه الوطنية .
ان هذا الجنديّ المعلوم المظلوم يفوق (الكراديس) ممن لايملكون جرأته وشجاعته واخلاصه .
ان الاستهانة بالعناصر الكفوءة، والمخلصين المهنيين ، أصبحت احدى الظواهر البارزة في (العراق الجديد)، وهذه ان دلت على شيء ، فانما تدل عما تنطوي عليه من دلالات سلبية في الميدان الاداري والسياسيّ .
ونحن اذ نكتبُ ساخطين متبرمين مما ألت اليه الأوضاع في بعض الأجهزة الرسمية ، فاننا نُهيب بكل الوطنيين المخلصين من رجال الحكومة ان يكونوا أكثر حرصاً على ايصال الحقوق الى أصحابها ، وان يكون انتصارهم للمواطن المظلوم ديدنهم الذي لا يحيدون عنه .
اننا ندعوهم الى المتابعة المستمرة، والمراجعة الدقيقة لما يجري في الدوائر الرسمية، وتصحيح الأخطاء ، وارجاع الحق الى نِصابه ،
وندعوهم أيضاً الى ان يكون الأكفاء المخلصون ، مَصَبَّاً للعناية الفائقة ، لا الى الإهمال والإغفال ، وسوء الأحوال ….

[email protected]