23 ديسمبر، 2024 6:57 م

الظاهرة القَطَرية

الظاهرة القَطَرية

بكل المقاييس ؛ فأن قطر..الامارة العربية الخليجية الصغيرة ظاهرة متفردة في عالم اليوم السياسي والاقتصادي والرياضي والعسكري .
فالدولة التي لاتزيد مساحتها عن الأحد عشر الفاً ونصف من الكيلومترات المربعة ..وبعدد سكانها البالغ سبعمائة وخمسون الفاً غالبيتهم من غير المواطنين ..باتت تشكل ظاهرة متفردة في عالم اليوم ..وحديث ومبعث حيرة وتساؤل الناس البسطاء والخبراء والمختصين في كل المجالات ..ورغم ان عصر المعلوماتية والفضاء المفتوح والانترنت والفيس بوك قد كشف كل مستور..وفتح العيون والابواب على مصراعيها..الا ان الكثير مما قيل في قطر وعنها ؛ وحولها يبقى من الاسرار والغاطس المجهول الذي لا يعلمه الا الله والراسخون في العلم !!
ويخطئ من يظن ان الدور القطري قد برز او تعاظم في الفترة الاخيرة وخصوصا بعد ان تبنى النظام السياسي وحكّام هذه الدولة دعم حركات ما سمي بـ ( الربيع العربي ) في بعض الاقطار العربية دون غيرها ..وتبنيهم لها بشكل واضح ومدّ هذه الحركات بشكل عملي وعلني بالمال والسلاح ..وتحشيد الرأي العام العالمي عن طريق امبراطورية ( الجزيرة الاعلامية ) لتذكي اوار هذه التحركات ؛ التي تحرّم قطر نفسها على مواطنيها حتى الحلم في جزءٍ منها ..او من خلال تأليب العالم ومنظماته الدولية المعروفة توجهاتها ودوافع تحركاتها على الاقطار العربية ..في امر ظاهره حق الشعوب في الخلاص والحرية وتقرير المصير ؛ وباطنه غير ذلك كثيرا.. اقول ان الامر ليس حديثاً البتة ..فما من مشكلة او نزاع او حرب في المنطقة او خارجها الا وكانت قطر حاضرة فيها تعرض خدماتها فيه : وسيطا ؛ او حلال مشاكل ..او طرفا ..وما ان تندلع ازمة او مشكلة في اي جزء من العالم الا وقد جهز حمد بن جبر بن جاسم ال ثاني رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري وخال الامير الحالي وذراعيه الايمن والايسر ؛ طائرته وعباءته ( او بدلته السموكن اذا استدعى الامر) ليعرض وساطة قطر ..والقائمة تعرض وتطول: فمن ازمة دارفور ؛ ومحادثات نيفاشا بين شمال وجنوب السودان التي انتهت ( بفضل الوساطة القطرية) الى ماساة الانفصال العام الماضي ..الى الازمة اليمنية بمختلف مراحلها وتداعياتها..وكذلك حرب اسرائيل على غزة ؛ وحربها مع حزب الله اللبناني ..والمصالحة الفلسطينية والازمات اللبنانية المتلاحقة ..والحرب الاريترية الاثيوبية والازمة التشادية الداخلية !!..واخيرا حماسها الواضح في استصدار قرار الامم المتحدة في الحرب على ليبيا واسقاط نظام القذافي ..ودورها النشيط الحالي وحماسها المنقطع النظير في التعامل مع الازمة السورية ..يقابل ذلك صمت قطر و(الجزيرة) عما يجري من احداث مماثلة في جارتيها البحرين والسعودية..وهي التي ادارت ظهرها حتى الان الى النظام السياسي الجديد في العراق..ونذكر جميعاً انها ارسلت مندوبها الدائم لدى الجامعة العربية ممثلا لها في مؤتمر القمة العربي الاخير الذي استضافته بغداد ..دليلاً واضحا على استخفافها بالقمة ورفضها لرئاسة العراق للجامعة العربية ولو لعام واحد فقط .. ويتذكر العراقيون بألم وحسرة شدة القصف الذي كانت تقوم به الطائرات القطرية الى جانب طائرات الناتو على المدن العراقية ابان حرب الخليج الثانية ؛ وتدميرها للبنى التحتية المدنية ( وهذا واضح ومعروف وموثق ) ..وكان التبرير القطري له هو انها قامت بذلك تطبيقاً لقرارات الامم المتحدة ولأجبار النظام العراقي السابق على سحب قواته من الكويت عام 1991.
ان اي محلل اومتابع محايد لابد ان يلاحظ ان قطر تبحث لها من خلال هذه التحركات عن دور وريادة وزعامة تفتقدها بحكم حداثة تأريخها وتكوينها السياسي وصغر مساحتها وقلة عدد سكانها ؛ وهي تحاول ان توظف ما لديها من امكانيات العصر الراهن الا وهو المال بعد ان اطمأنت ( ولو الى حين ) ان نار الربيع العربي بعيدة عنها ؛ بعد ان استقطبت على اراضيها اكبر القواعد الامريكية قي المنطقة الا وهي قاعدة العدين الجوية..كما يحفل تاريخ الامارة القصير بالعديد من المشاكل والصراعات بين اعضاء الاسرة الحاكمة منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1971 وحتى الان ..والتي بموجب واحدة منها وصل الامير الحالي الى سدة الحكم بعد ان عزل والده عن الحكم واتهمه بالجنون والعجز وهو خارج البلاد عام 1996.كما ان لها مشاكل حدودية وجغرافية مستعصية عجزت عن حلها مع كل من البحرين والسعودية .
وعندما كنت مقيماً في مصر لست سنوات خلون ..كنت الحظ بوضوح الجفاء الواسع بين النظامين السياسيين في مصر وقطر ؛ وكان السياسيون المصرية يصرّحون علانية ان قطر تريد وتسعى فعلاً الى اضعاف الدور والريادة المصرية التاريخية على المنطقة ..وكان العداء مستفحلاً والحملات الاعلامية متصاعدة بين الجانبين حتى سقوط نظام حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك ؛ الذي اتضح انه كان لقطر دور كبير فيه من خلال دعم وتحريض الشارع المصري ضد نظامه ..او من خلال الاعلام ( الجزيرة طبعا ) ..او من خلال فتاوى رجل الدين المصري المبعد والمقرب من العائلة القطرية الحاكمة يوسف القرضاوي.واذكر ان احد ابرز الكتاب المصريين وهو احمد بهجت كان قد نشر موضوعا في جريدة الاخبار المصرية وصف فيه قطر بانها ( دولة الترانزستور التي تريد مناطحة بلد الفراعنة الذي يمتد تاريخه الى سبعة الاف سنة) .
 لقد كانت قطر من اشد الداعين الى اقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية واسرائيل..ومن اوائل الدول التي فتحت لها مكتباً للتبادل التجاري والاقتصادي..وهي تقيم مع الدولة العبرية حتى الان اوثق العلاقات والاستثمارات والمصالح سرا وعلانية..في مواقف متفردة لم يسبقها اليها او ينافسها فيها ايٌ من نظيراتها الخليجيات او العربيات الاخريات او دول المنطقة الاخرى باستثناء تركيا التي لنا معها عودة اخرى للحديث في كتابات لاحقة .. 
اما في الجانب الاقتصادي فان قطر اصبحت اخطبوطاً يمتد في كل جهات الارض ..يقدم السياسة قبل الوساطة والمال ؛ وهي التي تمتلك اكبر احتياطات العالم من الغاز الطبيعي والعضو في منظمة الاوبك النفطية  ..من خلال شراء شركات الطيران او الاستثمارات والمتاجر الكبرى والاندية الرياضية العالمية الشهيرة ..واستضافت العديد من الدورات الرياضية والبطولات على مستوى القارة والعالم ؛ وتوجت ذلك بالفوز بحق استضافة بطولة كاس العالم بكرة القدم للعام 2022..وهو امر عجزت عن نيله كبريات دول العالم العريقة في المضمار الرياضي وقد قيل وقتها ان ( البزنس ) والصفقات والعمولات والكواليس الخفية هي التي رجحت ملف قطر لنيل هذا الشرف العظيم .
وبعد كل الذي قلناه ؛ وهو اقل بكثير من الواقع وحقائق الامور فان السؤال يتبادر الى الذهن حتما : هل ان ما تقوم به قطر هو منّة خالصة لوجه الله تعالى ؟ ام هو ايمانها بالديمقراطية والانفتاح وحرية الشعوب والعلاقات الجديدة بين الدول ؟ ام انها توظف ثرواتها الهائلة في حل المشاكل والازمات حتى لو كانت في اثيوبيا وتشاد؟ ام انها تنفذ دوراً انيط بها واسند لها في السر والليل البهيم ؟ وايا كان الجواب الذي تفكرون فيه ؛ فان الواقع يشير الى ان قطر تشكل الان ظاهرة متفردة تستحق الدراسة والتامل والتحليل في كل شئ : السياسة والعلاقات..والاقتصاد والمال والبزنس والرياضة والاعلام والفن وحتى المناخ والرطوبة القاتلة والاسرار الدفينة ايضا .
[email protected]