الحدث الأبرز:
شهد العراق بعد ظهور الدين الأسلامي واتساع رقعته الجغرافية مرحلة خطيرة من الاضطراب والصدامات الداخلية وخصوصا بعد حالة الأنقسام والصراع الذي نشب على السلطة الدينية والسياسية بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان و مبايعة الامام علي ع خليفة للمسلمين. حيث حدثت الفتن والدسائس والمؤامرات على الخلافة الاسلامية إبان فترة خلافته في العراق وما تبعتها من حروب بين الامام علي ع واتباعه من الشيعة الخط المحافظ للرسالة الأسلامية ، وبين الامويين الاهثون الى السلطة لاسترداد مكانتهم الاجتماعية والسياسية في الزعامة والتسيد التي فقدوها بعد ظهور الاسلام .استخدموا الامويون بزعامة معاوية بن ابي سفيان والي الشام نقطة تأسيس حكومتهم التي لم تقر وتعترف بخلافة الإمام علي ع و التي استخدم الكوفة مقرا لها طيلة فترة سنوات حكمه التي قضاها في الحروب والصراعات الداخلية على خلفية الاضطرابات والفتن التي تعرض لها من قبل الخوارج ودسائس وفتن الامويين واتباعهم من المنشقين حتى أدت الى اغتياله في محراب صلاته على يد الخوارج .وعلى هامش تلك الاضطرابات والحروب التي احدثها معاوية بين المسلمين للسيطرة والاستحواذ على السلطة بشتى الطرق والوسائل ، حيث أسس بعدها حكومته وفرض سياسته بالقوة وبلباس الدين بتسييس المسلمين طائفيا لفريق محدد والغاء دور أحقية الأخر بالسلطة وأقصاءه ومطاردته والتضييق على اتباعه ومن ثم قتله ومصادرة دوره و تأريخه وحقوقه، والتي جوبهت باعلان ثورة التمرد بزعامة المختار الثقفي والتي وئد ت ثورته بعد ان اريقت دماء نفر كبير من المسلمين. وان ما قامت به الحكومة الاموية والحكومات المتعاقبة من اعمال تزييف وتحريف وقتل وابادة وما مارسته من اساليب اضطهاد ضد اتباع ال البيت من انتهاج سلوك طائفي سياسي أبان الفترة للحكم العباسي وفترة الحكم العثماني التي امتدت لقرون عديدة والتي اتسمت سياساتها بالأقصاء والتهميش للطائفة الشيعية للمحافظة على سلطانهم و لضمان القضاء على حركة الإصلاح والمعارضة فكريا وعقائديا والتي كانت تقودها أئمة ال البيت واتباعهم. حيث ركزت تلك الحكومات على ترسيخ ثقافة المذهب السني المتبع طيلة فترة حكم العراق وتوفير له كل امكانيات الدعم والمدارس والتثقيف والإعلام بتسخير كل مواردها وعلمائها.
فترة العهد الملكي والحكومات المعاصرة:
بعد اجلاء القوات العثمانية من العراق من قبل القوات البريطانية .ادركت بريطانيا فيما بعد من استحالة الاستمرار في فرض القوة المستعمرة في العراق وخصوصا بعد قيام الثورة العراقية انتفاضة ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني والتي ارغمت الاحتلال الى اعتماده وتنصيبه الحكم الملكي في العراق .بعد لجوءه الى استثمار هذا الحكم لخدمة مصالحه باستخدام الورقة الطائفية باستيراد الملك وتنصيبه ملكا على العراق واعتماد شرائح وشخصيات معينة في الحكم والادارة وخصوصا فيما يتعلق بجانب التعليم الذي ساهم في عدم استقرار الدولة الحديثة من الذين كان معظمهم من خريجي المدرسة العثمانية، حيث واصلوا نهج الحكم العثماني في العزل الطائفي وفي الافكار والاطروحات ،وهذه حقيقة مؤكدة جاءت حتى باعتراف بمذكرة الملك فيصل الأول، التي اعترف فيها بوجود الطائفية السياسية وعزل الشيعة والكرد،الأمر الذي أدى إلى عدم استقرار النظام الملكي وبالتالي إلى انهياره.
لقد سعى المشروع الاستعماري للعراق لجعل تلك الأقليات المناطقية، وتلك الشخصيات والعوائل ممثّلة للمكوّن السني ومنحها الثقل الأكبر في المعادلة السياسية التي ’تعتمد في المشروع السياسي الذي أعدّه البريطانيون لحكم العراق… والتي استمرت حتى حركة 14 تموز 1958، ثم توقفت خلال عهد الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم، ثم عادت وبقوة خلال عهد العارفين ووصلت ذروتها في عهد النظام البعثي البائد في ذروة قوتها وهيمنتها وسطوتها في السلطة وممارسة دور الاقصاء والتهميش والاغتيال واتباع سياسة القمع والتعذيب والاعتقال ومحاربة كل الأحزاب والتكتلات الشيعية والتضييق على الحريات والمساجد والحسينيات. وازداد الوضع سوءا بعد أحداث حركة التمرد الشيعية في عام 1991 وما تلتها من عواقب وخيمة على شيعة العراق من قبل النظام السابق .من الانتهاكات الخطيرة التي تعرضت لها من قبل النظام عسكريا والتي كانت اشبه بابادة جماعية تدميرية شنتها ادوات النظام القمعية. وبسبب ممارسة الطائفية السياسية في العراق عبر قرون طويلة، صارت الطائفية والعزل الطائفي ضد الشيعة، مسألة طبيعية وقاعدة عامة في حرمان هذه الطاىفة الكبيرة من حقها في التعليم العالي والتوظيف وممارسة حقها الديني والسياسي وابراز دورها على قدر المساواة وقد انشئت هذه الثقافة الممنهجة عبر مراحل التاريخ النموذج المتطرف والمتشدد في المجتمع الإسلامي على الصعيد السياسي والديني نتيجة هذه التراكمات التجاذبات والصراعات السياسية والدينية بالرغم من تقوقع هذه الصراعات وانحسارها سياسيا الا انها القت بنتائجها السلبية على الواقع الاجتماعي وخاصة في الفترة الاخيرة بعد ان تمكنت شيعة العراق من احكام سيطرتها على الحكم والسلطة في العراق بعد انهيار النظام البعثي السابق وظهور الأحزاب والحركات الشيعية المضطهدة وسيطرتها على السلطة بالأغلبية بالرغم من ضعف خبراتها وإمكانياتها السياسية في الإدارة والسلطة ،الا انها كانت عبارة عن شخصيات لها تاثيرها السياسي والديني في المجتمع الشيعي لما كانت تحمله هذه الشخصيات من سيرة جهادية ونضالية في مقارعة النظام البعثي وبما كانت تحمله من هموم ومواجع وسيرة اضطهادية كانت كافية للانتقام من فلول النظام المقبور وادواته القمعية بعد توليها السيطرة على الحكم ومطاردة المطلوبين من قادة اجهزته الامنية والحزبية وقد كانت اولى انتصاراته حين تمت محاكمة الرئيس المخلوع واعدامه واعتبار حزب البعث تنظيما سياسيا محظورا في البلاد بكل انشطته
ان الأحداث الجسيمة التي ألمت بالعراق بعد سقوط النظام كشفت عن وجود خلل بنيوي في ثقافة الفرد والمجتمع، خلل هو حصيلة تراكمات تاريخية عاشها الشعب العراقي في ظل حكومات تعاقبت على السلطة، كان منهجها الاقصاء الذي أفضى الى شعور عدواني تجاه الحكومات ومن ثم اضمحلال الولاء الوطني. وانحساره تدريجيا تحت ضغط الولاءات الدنيوية الاخرى او المذهبية والقومية وقد شهد العراق موجة غضب عارمة وسخط شديد ادى الى نشوء حالة هيستيرية وانتقامية حتى تجاه مؤسسات الحكومة بعد السقوط والانهيار للدولة عام 2003. فولاء الشعب الكردي لقوميته، وولاء الشيعي لطائفته ومرجعه الديني، وولاء السني للسلطة والحكم. وهذا ينطبق ايضا على المكونات الاخرى التي انغمست هي الأخرى تحت عوامل الطائفة والديانة نتيجة صراعات الكتل والمكونات الكبرى على اثبات وجودها وتسلقها الى هرم السلطة ، وهذا لا يعني انعدام حب العراق والوطن لدى الافراد لكنه أثّر لا شعورياً على ولاء الفرد لوطنه نفسيا وايديولوجي بحكم عوامل الصراع وكان يتنافس بشتى الطرق والوسائل المشروعة والا مشروعة للحصول على اكبر الحصص والمقاعد والامتيازات بعد سقوط النظام، ومهّدت الأحزاب السياسية المصنّفة طائفياً لتدخّل قوى إقليمية على حساب مصلحة البلد وسيادته. وتجعله عرضة للفتن والاضطرابات الداخلية .
ورغم من وصول شيعة العراق الى الادارة الفعلية للسلطة اداريا وعسكريا ،الا انها قد تنازلت ايضا بالكثير من حقوقها واستحقاقاتها الانتخابية لارضاء المكونات الاخرى نتيحة ضغوطات الدول الكبرى والإقليمية والعمل بموجب بروتوكولات توافقية تهيء الآخرين للمشاركة في السلطة وبالمقابل ايضا ضمان صمتهم امام زعامة وتسيد الشيعة على المواقع السيادية والقيادية للدولة .وهذا الذي لم يحدث ابدا طيلة فترة عقد ونيف حيث بقيت تلك الصراعات والمهاترات على السلطة حتى بلغت ذروتها في احداث الحرب الطائفية التي شهدها العراق وما عاناه العراق وشعبه من فواجع وانكسارات متلاحقة اضرت بالتركيبة الاجتماعية والمنظومة الاخلاقية الوطنية . وقد تراجع العراق بسبب ضعف واداء الحكومة نتيجة تلك التخبطات الطائفية لدى بعض الزعماء من كافة الفرق والمكونات الى انحسار المشروع الوطني وغياب الاستراتيجية التخطيطية والكفاءات العلمية والمهنية . وظهور منظومة سياسية طائفية اضرت بالبلاد ومصالح العباد وجعلت العراق منتجعا للتطرف والإرهاب والفساد وساحة حرب مفتوحة للتصفيات السياسية والدولية.إن هذه المشكلات والصراعات والتحديات الخطيرة التي واجهت المشروع السياسي الوطني في ظروف معقدة تحت وطأة الاحتلال الأميركي وتحت ممارسات الضغط الدولي والإقليمي كانت عوامل مهمة في فشل المشروع الوطني واستثمار الصراع الطائفي من قبل بعض القوى والأطراف الداخلية والخارجية وتغذية هذا الصراع وتصوير طرف مظلوم ومهمش على حساب طرف اخر لاضعاف العراق ودوره في المنطقة كما هو الحال في سوريا الان وتقسيمه بما يخدم المشروع الصهيوني اليهودي في المنطقة وضرب شوكة الاسلام في المنطقة العربية والتي تعتبره اليوم دول العالم وتروج على انه عدوا يهدد امن وسلامة شعوبها بسبب الظاهرة الارهابية التي تعتمدها بعض الجماعات الإسلامية المتشددة وتبنيها مشروعا خطيرا يهدد الامن والسلم العالمي .
لقد تباينت ابعاد ونتائج الظاهرة الطائفية السياسية في العراق بشكل ملحوظ وبشكل كبير وما خلفته من تدمير في المنظومة الاجتماعية والنسيج الاجتماعي من اثار تهجير قسري وقتل وترويع وأصبحت الظاهرة الطائفية السياسية الأبرز في المنطقة وردات فعل المواقف العربية وما لحقتها من ابعاد وتداعيات شهدتها المنطقة العربية وخصوصا في سوريا واليمن وليبيا والبحرين وامتدت حالة الصراع الى قيام حرب مباشرة بين الجماعات الإسلامية المتشددة الموالية الى جانب الانظمة الحاكمة او المعارضة الى تلك الانظمة حسب نوع سياساتها وايديولوجياتها وانتماءاتها المذهبية.
لقد انعكست الظاهرة بكل آثارها السلبية وتداعياتها على الواقع العراقي بشكل خاص وما نجمت عنه من اضطرابات وتظاهرات في المناطق الغربية ادت بالنتيجة الى استثمار تلك الظروف من الاحتقان الطائفي والسياسي من قبل التنظيمات الارهابية والبعثية واستباحة تلك المناطق بحجة انصاف السنة واسترجاع حقوقهم بعد خداع الناس بالافتراءات والاكاذيب وخلق لهم عدو وتبعية صفوية بهجمة اعلامية مدروسة من الادعاءات والأكاذيب التي كانت تروج لها الوسائل الإعلامية المدسوسة ودعاة الفتنة والتحريض وهذا ما لوحظ حتى في فترة عمليات التحرير التي نفذها الحشد الشعبي وافتعال الحرب الإعلامية الشعواء عليه من قبل دعاة الطائفية والتحريض من ساسة العراق وخارجه .ان السلوكيات القائمة على التطرف الطائفي والخاضعة الى الاجندات الخارجية اجهضت على المشروع الوطني والخط المعتدل السياسي وأصبح الشعب العراقي ضحية التطرف والقتل والتهميش والتهجير والاغتصاب في حرب ليس هناك منتصر فيها سوى الإرهاب ومنظماته التكفيرية التي تخدم بشكل مباشر وغير مباشر اعداء الاسلام والامة العربية
وليس هناك من ثمة خيار اوبديل لاستيراد حلول خارحية او قادة جدد من الخارج للخروج من الازمة والمشكلات الرئيسة وتحدياتها إلا بإصلاح الخط القيادي السياسي للعراق اصلاحا ذاتيا وفق الرؤى والوقائع والنتائج التي تمخضت عنها العملية السياسية والتي يجب ان تكون درسا لساسة العراق وعلى الخط القيادي على وجه الخصوص والذي هو مسيطر اليوم على الساحة السياسية ،جماهيريا ،وحزبيا بقوة ونفوذ ديني او حزبي او قبلي. والاغلبية يمتلك الدعم الخارجي ومقومات البقاء والنفوذ .وعلى الجميع اليوم ادراك مفهوم الشراكة الوطنية والشعور بالمسؤولية الاخلاقية والتاريخية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق وان يتم غلق كل نوافذ الكراهية ولغة العنف والانتقام السياسي والشروع بالعمل السياسي على أسس وطنية متينة وصادقة النوايا لتعميق مفهوم الشراكة الوطنية لبناء الدولة ومؤسساتها بالطرق الصحيحة والمثالية