في تسعينيات القرن المنصرم وخلال تواجدي في شركة ايروسبيسيال الفرنسية (سابقا) ايرباص هليكوبتر حاليا كان هناك طيار فرنسي في العقد السادس من العمر يعمل طيار أختبار للطائرات المصنعة في الشركة , وكان يركب الباص معنا يوميا من الفندق للشركة , وكنا منبهرين به لما يملكه من ساعات طيران تجاوزت الخمسة ألاف ساعة في حينها , نعم هذا التقديرالصحيح لكفاءة اي طيار وهو مايملك من ساعات طيران مثبته في سجله والتي لم تأتي من فراغ وانما من عمل شاق ومعقد وطويل في قيادة الطائرة وفي كل الظروف وايضا تأتي متناسبة مع سنوات عمره الحقيقية .
ساعات الطيران التي يمتلكها الطيار الفرنسي وهو بهذا العمر والتي كنا منبهرين بها في حينها هي نفسها التي يمتلكها الطيار العسكري العراقي ( الصقر العراقي ) كما نحب ان نطلق عليه هذه التسمية لشجاعته وكفاءته وهو بنصف العمر الحقيقي للطيار الفرنسي , هذه الساعات التي جاءت نتيجة اجتهاد وشجاعة متميزة ابداها هذا الصقر في الدفاع عن سماء العراق سابقا وحاليا . فقوتنا الجوية العراقية بصقورها الشجعان يشهد لهم القاصي والداني كونهم صانعي الانجازات الباهرة في المعارك الجوية للذود والدفاع عن الوطن.
لكن مايألمني وأتأسف عليه مصير هؤلاء الصقور وخصوصا الأكفاء منهم والذين يشهد لهم القاصي والداني اليوم بالكفاءة والخبرة التي لن تجدها في معظم طياري العالم , أين هم من تقديم خبراتهم التي اكتسبوها أثناء صولاتهم في السماء والتي تجاوزت الالاف من ساعات الطيران العملية والحقيقية لكي نستفيد منهم في تهيئة وتدريب شبابنا الراغب في دخول مجال الطيران ؟ من خلال انشاء مدارس تعليم الطيران بكل انواعه ( التجاري والخاص والترفيهي ) وأنشاء نوادي للرياضات والالعاب الجوية , تكون اساس لبناء قاعدة موارد بشرية مدربة تدريب عالي المستوى فـي الطيـران, وذلك لتلبيةً متطلبات قطاع الطيران الحيوي في العراق !
الكثير منهم زملاء واصدقاء عمر تركوا عشقهم للطيران مجبرين وأصبح أغلبهم الان جليس داره او زبون دائم لاحد مقاهي الوطن او المهجر أو انشغاله بوظيفة بعيدة عن مجاله الحقيقي حيث تكمن المشكلة الحقيقية لهؤلاء الصقور هو عدم امتلاكهم الرخص التي تسمحلهم بقيادة الطائرة المدنية كأقرانهم الطيارين المدنيين ,علما ان أغلب الطيارين العسكريين أجتازوا مراحل من التدريب الصحيح وهو عمل معقد وطويل وباهظ التكاليف جعل منه طيار بمستوى عالي من الكفاءة ولايقل عن كفاءة الطيار المدني .
لذا تبرز الحاجة إلى فكر تخطيطي يدرس مشكلة هؤلاء النخبة ويضع الحلول الخاصة بهم وخصوصا نحن ماضين الى مرحلة مهمة من اصلاحات تخدم المواطن والمجتمع , وموضوع اصلاح قطاع الطيران والنهوض به لمستويات تليق بسمعة قطاع الطيران العراقي لايقل اهمية عن باقي القطاعات التي تخدم البلد , أما كيف ؟ فاقول الحل يكمن من خلال انخراطهم في دورات تحويلية تؤهلهم لقيادة الطائرات المدنية وهي برامج خاصة ومميّزة معمول بها حاليا في منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج العربي , يقوم هذا البرنامج بتزويد الطيار العسكري بالمهارات التقنية اللازمة والضرورية في مجال الطيران من خلال معادلة شهادته في الطيران ( Conversion) وحسب القانون الأوربي EASA فيه يتم دراسة المواد النظرية بحدود 300 ساعة دراسية متضمنة الاختبارات , وفيما يخص الجانب العملي فتحسب ساعات الطيران لدى الطيار العسكري من دون الاستغناء عن التدريب على كورس CPL ( الطيار التجاري ) لمدة مابين 10 – 15 ساعة, وإعادة التدريب على كورس IR ( الطيران باستخدام العدادات ) إلى ما يقارب 10ساعات , إضافة الى ادخاله دورات MCC – JOC) ) وهي الدورات التخصصية في كيفية التعامل مع الطاقم اثناء الرحلة .
هذا الكلام ينطبق على خريجين اكاديميات الطيران العسكرية داخل العراق وخارجه مع شرط اساسي ومهم هو تلبية المعايير الطبية للطيار والنجاح بالفحص الطبي من الفئة الأولى , ونجاحه في اختبارات الكفاءة في اللغة الإنجليزية للمستوى الرابع على الاقل من مستويات منظمة الطيران المدني الدولي الخاصة باللغة الانكليزية . كما يطلب منه للقبول شهادة أكمال دورة الطيران الاولى له , وان يكون يمتلك ما لا يقل عن 500 ساعة طيران، منها 100 ساعة طيران ككابتن طيار , و20 ساعة طيران له بين مدينتين , وساعات طيران ليلية منفذة , بعدها يكون خريجو البرنامج مؤهلين تأهيلاً جيداً للعمل كطيار مدني يمكن الاعتماد عليه في شركات النقل الجوي ومدارس تدريب الطيران , وايضا الاستفادة منهم في تلبية خدمات المجتمع التي تكون فيه الطائرة عامل اساسي وخصوصا طائرات الهليكوبتر التي تستخدم بالاضافة الى النقل الخاص والسياحي , تستخدم ايضا في مجالات وزارات خدمية عديدة منها وزارة الصحة والنفط والزراعة , وهؤلاء هم الذين سيغطون حاجة هذه الوزارات من طيارين .
ســـتعرف صناعـــة الطيـــران مزيـــدا مـــن النمـــو المتســـارع للحركـــة الجويـــة وبحلــول 2020 ســيحتاج قطــاع الطيــران الى330 ألفـا مـن الطياريــن في العالم , ومنظومة الطيران المدني العراقي ستكون واحدة من الجهات التي لها احتياجات مـــن العمالـــة المؤهلـــة والكفـــاءات البشـــرية المتخصصـــة فـــي مجـــال الطيـــران , اذن يجب الانفتاح على بناء مؤسسات تدريبية متطورة لرفد القطاع بالكوادر المطلوبة مستقبلا, من خلال إيـــلاء تدريـــب وتأهيـــل هؤلاء النخبة المميزة من الطيارين العسكريين لمسايرة ومواكبة التطــورات والمســـتجدات والتحـــولات الكبـــرى التـــي تشهدها صناعـــة الطيـــران, وعدم اهدار طاقاتهم الكفؤة .
ولنعلم أن المقياس الحقيقي للنهضة الشاملة لاي بلد هو ” التنمية البشرية “